فاتن قبيسي |
بدا مسلسل “ورد جوري” خارج منظومة الدراما اللبنانية الرمضانية. حمل موضوعا هاما وواقعيا، وسط مسلسلات محلية، اغلبها مقتبس، وبعضها هجين.
يضيء “ورد جوري” ( انتاج إيغل فيلمز) على موضوع الاغتصاب في لبنان. قضية حيوية، عرفت الكاتبة كلوديا مرشليان والمخرج سمير حبشي كيف يقدمانها. الفكرة تقوم على أسس صحيحة في معالجة القضية، وان اتسمت بعض المشاهد بالوهن.
يتناول العمل كيف ان المجتمع اللبناني يتعاطى مع قضية الاغتصاب، بحيث يحول بلا وعي منه، الضحية الى مذنبة. مما يضاعف ألمها ومراراتها. هكذا أراد “ابو مجد” ( اسعد رشدان) ان يداري قضية اغتصاب ابنته “روان” ( ستيفاني عطالله) ، فيتنازل بداية عن حقه في مقاضاة الشابين المغتصبيْن، درءا للعار والفضيحة وكلام الناس. وهي مصطلحات من وحي المجتمع الشرقي، الذي يعفي المغتصِب من المحاسبة، بذريعة حماية سمعة المغتصَبة!
رسالة العمل واضحة ومباشرة. ونحتاج بالطبع الى اعمال اخرى مماثلة لتغيير الذهنية الشرقية. وهو تغيير لم يحدثٓ لوالد الضحية في المسلسل، الا عندما شعر فقط بامكانية فقدان ابنته، التي حاولت الانتحار. فقرر مقاضاة الشابين اخيرا، بعدما كان منعها واختها “جوري” من ذلك، وحظّر عليها ايضا حتى الخروج من المنزل.
السياق الدرامي بخطوطه العريضة جاء مقنعاً. وكذلك نهاية المسلسل التي قضى فيها احد مرتكبي جرم الاغتصاب انتحارا، بعدما كان قضى زميله قتلا. واجاد المخرج حبشي في لقطات عدة. ولعل مشهد مواجهة الفتاة الضحية مع الجاني “روي” في قسم الشرطة، كان من افضل المشاهد وأكثرها تأثيرا. كما جاء الربط بين شريط الافتتاح في يد “روان”، المحتفلة بتدشين محل اختها لبيع الورد، وستار الغرفة في يد “روي”، وهو يلفه حول رقبته، مواءمة موفقة.. فهي تفتتح حياةً جديدة، وهو يسدل الستار على حياته.
وفيما جاء العمل ضمن هيكل درامي منطقي عموما، الا ان بعض المشاهد بدت ضعيفة، حواراتها ركيكة، وكأنها خارج السياق العام. كالمشهد الذي وصل فيه “مالك” (عمار شلق) و”ميرنا” (رلى حمادة) الى منزل الاخيرة، حيث وجدا الخادمة قتيلة على الارض، وابن ميرنا “روي” مصدوما. فوقف “مالك” لا يحرك ساكنا، بينما كانت ردة فعل “ميرنا” باردة لا ترقى الى فداحة الحدث.
مشهد آخر جمع للمرة الاولى بين ” برهوم” ( غبريال يمين) وابنته “عبير” ، وذلك بعد اكتشافها بانه والدها. فكان مشهدا باردا ايضا، يخلو من حرارة، على الأقل لجهة الأب الذي كان يحلم بلقاء ابنته. بل ان الابنة راحت لمجرد وصول والدها تخبره عن حبيبها! وهكذا جاءت بعض الحوارات مفتقدة الى النبض والصدقية. مما جعل للمٓشاهَد مستويات متفاوتة ضمن العمل الواحد.
وكذلك شخصية “جوري” ( نادين الراسي)، جاءت طبيعية حينا، ومنفرة حينا آخر. كاركتير غير متماسك دراميا، وغير مشغول جيدا تمثيليا. فثمة تباين كبير بين مستوى اداء الراسي المفتعل هنا، وبين ادائها الاحترافي في مسلسل “الشقيقتان” ( كلوديا مرشليان وسمير حبشي ايضا).
اما عمار شلق فأجاد بدور العاشق، واسعد رشدان في دور والد الضحية، ورودريغ سليمان في دور “وليد”. ويُسجل للعمل تقديمه مواهب صاعدة احترافية ولافتة : جاد ابو علي، ستيفاني عطالله، وحسن عقيل.
“ورد جوري” يطرح اشكالية خطيرة. الاغتصاب والمخدرات وما ينتج عنهما. قضية من صميم مجتمعنا. وتبرز أهمية العمل اذا ما قورن بمسلسل رمضاني آخر يحمل توقيع الكاتبة والمخرج نفسيهما: “وين كنتي”، الذي يطرح قصة حب محرم لا تتناسب مع البيئة والمجتمع!
“ورد جوري” الذي عرض عبر شاشة “ال بي سي اي”، يحرك جرحاً مؤلماً من ضمن الجروح التي تعيشها المرأة الشرقية. اراد عبر الدراما مخاطبة المجتمع الذكوري: لا شفاء للضحية الا بمعاقبة الجاني، في وقت ينقذه المجتمع ويستره، وفي وقت يُحظى فيه حتى بحماية القانون في حال تزوج من ضحيته، بحسب المادة 522 من قانون العقوبات.. ليصبح ظلم الضحية ظلمين لا محالة! وهنا يكتسب هذا المسلسل “راهنيته”، في ظل المطالبة مؤخرا بإلغاء هذه المادة القانونية.
لذا، رغم هنّاة العمل، لا بد من تشجيع اعمال درامية مماثلة، تحمل قضية موجعة وواقعية، يكتنفها التخلف، ويلفها غالبا.. الكتمان!
شاركنا النقاش