فاتن قبيسي|
بقدر ما يشكل عنوان برنامج “بكل طائفية” بحد ذاته استفزازا استباقيا، بقدر ما تشكل انطلاقته اكتشافا لنوع جديد من البرامج في لبنان.
ما يتميز به البرنامج، الذي اطلقته امس “lbci”، يتمثل في بعدين: اولا نقل النزاعات والجدل الطائفي والمذهبي الذي يشتعل عبر “السوشيل ميديا” الى التلفزيون، لتتماهى الشاشة الصغيرة مع لغة العصر، وثانيا معالجة مرض مستحكم ومتجذر بعيدا عن “التوك شو” والتنظير، وفي قالب يحمل رسائل لاذعة ولا يخلو من طرافة.
في صيغة تجمع بين التمثيل (سيتكوم) والواقع (الآراء الحرة) ، بين الجد والهزل، يطل حوالى عشرة شبان وشابات، تم اختيارهم من بين الاكثر نشاطا عبر “السوشيل ميديا”، ويمثلون انتماءات مذهبية وحزبية متعددة. المكان الذي يجمعهم هو قناة “قطعة سما” التي يديرها ادمون حداد. وثمة مشاهد تقوم على سيناريو مكتوب، يظهر حدة الخلاف بين محور المقاومة و”القوات”، والخلافات ما بين بقية الاحزاب الاخرى. الى جانب تصريحات يعبر الشبان فيها عن آرائهم الواقعية، والتي تلتقي توجهاتها بطبيعة الحال مع المشاهد المكتوبة ( كتبها رامي عواد وغادة الصايغ). ويتخلل هذه التصريحات اجابات على اسئلة من قبيل: “انت مع قيام دولة اسلامية؟”، “هل تقوم بعملية انتحارية؟”، “هل لديك اصدقاء سلفيين؟”..
الحلقة تنضح بالطائفية، بدءا من بطاقات التعريف الاستهلالية بالشباب، والتي تحمل هويتهم المذهبية والحزبية. وما القول بأن “بلال المواس هو مسلم اولا، وسني ثانيا، وسلفي ثالثا، وطرابلسي رابعا، ولبناني خامسا ..” الا تواطؤا دقيقا مع الواقع، الذي يكثر فيه مثل هذا النموذج في الانتماء.
تحولت قناة “قطعة سما” الى صورة مصغرة عن لبنان، بتنوعه، وتجاذباته الحادة، وامراضه المستعصية. وتميز عباس زهري بأداء عفوي، فيما تجاوزت راشيل جعجع قليلا “الدوز” المطلوب. اما باقي الفريق فلم يكن اداؤه مقنعا ابدا، باستثناء بلال المواس، السلفي الذي خلط الدراما بروح الكوميديا. اما صوت المعلق (فويس اوفر) فهو غير مناسب تماما لهذا النوع من البرامج.
والبرنامج الذي يخرجه داني الحج، وتنتجه رانيا يزبك، وشركة الانتاج هي “Road 2 Film”، كان قد خضع لتعديلات عدة في “الفورما” قبل ان يستقر على الصيغة الحالية. سنة ونصف من التحضيرات استغرق العمل، ومن المتوقع ان يفرض حضوره في البرمجة التلفزيونية الجديدة، اذا استفاد من اخطائه الاولى. علما انه يطلق عبارات (اقرب الى نكات) يمكن ان تتحول الى “تراند” مع الوقت من مثل: “سجن بالضاحية ولا رئيس بمعراب”، “مش هوليوود سمايل.. مكة سمايل”. “الفرنسية والانكليزية لغة الكفار؟”…
غير ان ثمة محاذير تتمثل في ضرورة انضاج الحوارات اكثر بعيدا عن الكليشهات، واعتماد الدقة في السيناريو. فصحيح ان “بكل طائفية” يضع المواطن وجها لوجه امام عوارضه المرضية، ربما ليسخر من نفسه اولا، ولكن الحوارات بين الشبان “المتنازعين” يجب ان تخضع للتوازن. فاذا كان الهجوم اقوى من الدفاع ( او من الهجوم المضاد) مضمونا او حتى اسلوبا، فذلك من شأنه ان يثير حساسية فريق من المشاهدين حيال آخر. وهنا تنقلب اللعبة التلفزيونية الى نقيضها.
اذاً التوازن او الحياد التام في كتابة الحوارات، هو ما يؤمّن استمرارية برنامج، تفصل شعرة بين ان يكون مرآة صادمة للواقع، أو أن يتحول الى مادة تحريض واستفزاز!
شاركنا النقاش