طهران: فاتن قبيسي|
باندفاع كبير، لبى المخرج الأميركي اوليفر ستون دعوة “مهرجان الفجر السينمائي الدولي” في طهران. العبارة الاولى التي قالها لديه تلقيه الدعوة هاتفياً: “يسعدني ان اذهب الى قلب الشرق الاوسط، الى ارض الثقافة والسينما”، بحسب مدير العلاقات الدولية أحد ميكاييل زادة.
وبسبب عدم وجود علاقات دبلوماسية بين الولايات المتحدة وايران، احتاج انجاز الاوراق الرسمية وتأشيرة الدخول وقتا اطول، كما استغرقت التحضيرات حوالى شهرين، قام خلالها ستون بترتيب اموره. ولكن المخرج الاميركي لم يفاجأ بأشياء كثيرة لدى وصوله الى طهران، فقد كان سبقه اليها ابنه المخرج الوثائقي شان ستون قبل سنوات. وقد احب هذه البلاد، وقصد الى جانب طهران، اصفهان وشيراز ومشهد. بل انه اعتنق المذهب الشيعي، وتحول اسمه الى شون علي ستون. وكان ينصح والده بزيارة طهران نظرا لما لها من خصوصية ثقافية وحضارية.
ولكن ستون الأب كان يتوق اساسا الى زيارة هذه البلاد، وقد فعلها منذ ايام للمرة الاولى، بصحبة زوجته من كوريا الجنوبية. ولكنه لم يأت مباشرة الى طهران، حيث تقام فعاليات المهرجان السينمائي، بل انه قصد اصفهان اولا، وزار “البازار” (السوق القديم) وتكلم مع الناس، ومشى تحت المطر.. وعندما وصل الاثنين الماضي الى “تشارسو”، بدأ بزيارة اقسام المهرجان، وبمشاهدة بعض الافلام. كما شارك في ورشة تعليمية في “دار الفنون”، وقد استضافه مقدم البرامج نادر طالب زاده في شبكة التلفزيون الايراني- القناة الرابعة، وهي قناة ثقافية علمية، واطلق مواقف نارية من خلال هذه المقابلة، محملا سياسة بلاده مسؤولية ما آل اليه الوضع في الشرق الاوسط. وهو المعروف عنه انتقاده للسياسة الاميركية.
كما كانت العناوين السياسية طاغية على المؤتمر الصحافي الذي عقده امس ستون في مجمع “تشارسو”، وقد دام اكثر من ساعة ونصف، قام خلاله المخرج والسيناريست والمنتج الاميركي بالرد على اسئلة الصحافيين الذين قدموا من مختلف دول العالم، مفجّرا مفاجأت في كل اتجاه.
بداية قال ستون عن ايران: “تعتبر إيران واحدة من أكبر المراكز الثقافية والحضارية في العالم، ولها تاريخ يعود الى أكثر من2500 سنة ، وداريوش وسيروس والإمبراطورية الفارسية. كنت دائما مهتما برؤية إيران، لكن الفرصة لم تأت. لقد قام ولدي “شون ستون” فيما سبق برحلة إلى إيران، وكنت أتوق لرؤية هذا البلد.
وعن الأفلام الإيرانية التي شاهدها قال: “شاهدت بين 10و20 فيلما إيرانيا على مر السنين، لكن لا ينبغي أن يتم تسميتهم من بين آلاف الأفلام التي شاهدتها خلال مسيرتي. خلال الأيام التي جئت فيها إلى إيران شاهدت حوالى 10 أفلام من العراق وألمانيا و… أهم شيء في هذه الأيام هو أنني أشعر براحة كبيرة في مشاهدة الأفلام، لأنني لم أعد مشاركا في نقد فيلمي.
وتطرق ستون الى علاقته بالأفلام الوثائقية قائلا: “أنا لا أعتبر نفسي صحافيا بل كاتباً، وعندما أتعب أتجه إلى الفيلم الوثائقي، لأنه يمنحني روحا جديدة. فالوثائقي يتفاعل مع أشخاص وقادة حقيقيين. عملت أيضاً مع شخصيات مثل كاسترو، وتشافيز، وبوتين، ونتنياهو، وياسر عرفات، وهذه الأفلام الوثائقية سمحت لي بالعودة إلى العالم الحقيقي وجعل الحياة تبدو ملموسة.
ورد على سؤال اوضح مخرج فيلم “نيكسون”: “ليس لديّ حالياً مشروع لصناعة أفلام حول قائد سياسي إيراني.. كانت هناك شائعات تقول أنني طلبت مقابلة محمود أحمدي نجاد الرئيس السابق لإيران، إنني لم أتخذ مثل هذا القرار أبداً. وبطبيعة الحال، عندما يصل شخص ما إلى قمة القصة سيتم إطلاق مثل هذه الشائعات حوله، لكنني لست بهذا الطموح.
وأضاف: اذا سنحت لي الفرصة يوما ما سأجري مقابلة مع سياسي ايراني بارز.
ورداً عل سؤال آخر، اشار الى إن اللواء قاسم سليماني هو بطل المعركة ضد “داعش” الارهابي في إيران، وتساءل هل سيتم صناعة فيلم سينمائي عن هذا القائد الايراني؟
وتابع: إن سليماني هو قائد عسكري ما زال على قيد الحياة. نحن نواجه مستقبلاً ساحقا، وعلينا الانتظارلنرى ما يحدث. ومن المرجح أن تقوم العديد من “القوات” بمنع مشروع صناعة فيلم حول شخصية اللواء سليماني. هناك العديد من السيناريوهات حول “داعش”، وبعض الدول مثل أميركا والسعودية وإسرائيل لا تقبل وجهات نظر إيران بشأن ذلك، ولكن لا يمكنك القول بأنه لا يمكنك صنع مثل هذا الفيلم.
وبشأن وجهة نظر سابقة لستون قال فيها أن بعض الأفلام الايرانية والهندية التي شاهدها خلال اليومين الماضيين كانت مملة، يجيب المخرج الاميركي: طلبت من مسؤولي المهرجان توضيح المسألة بالنسبة لوكالات الأنباء ووسائل الإعلام. أود أن أقول أن قصة الأفلام في المهرجانات عموما مملة، متعبة ورتيبة.
وتابع موضحا: انتقد “بيلي وايلدر” فيلمي “نيكسون” بسبب مدّته الطويلة، بينما أعتقد أن”نيكسون” كان على قدر كاف من التشويق. وعلي أن أقول أن هذه التعليقات شخصية وطبيعية تماما.
وعن ردود الفعل داخل بلاده على فيلم “سنودن” الذي كشف عن الخطط الإلكترونية للتجسس الأميركي، اسف ستون “لكون ردة فعل الأميركيين حول هذا الفيلم كانت غير مبالية، وأنا شعرت بالضيق عندما رأيت الناس في أميركا قد وصلوا الى هذه النقطة من عدم المبالاة”.
وقال: إن عددا من الجوائز الدولية منحت للسينما الإيرانية بعضها كان لأسباب سياسية مناوئة لايران، وأنا أرى أن الثورة الايرانية بعثت الرقة والحياة الواقعية في البلاد أكثر من السابق، وهو أمر ساعد السينما كثيرا.
كما انتقد المخرج العالمي سياسات المملكة العربية السعودية، وقال إنها مصدر تهديد كبيرللاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
واعترف ستون بأنه شخص غير مرغوب فيه في أميركا، وأنه أخرج الأفلام التي تزعج السلطات الأميركية انسجاما مع مبادئه وقيمه الإنسانية.
وعاد ستون إلى فيلمه الملحمي “ألكسندر” (2004)، وقال إن التعاقد مع شركة “وارنر بروذرز” لإنتاج الفيلم كان سيئا، لأنهم أرغموه على تقليص حجمه واختزال مشاهد كان يرى أنها مهمة. وأوضح أنه أعاد إنتاج الفيلم بعد عشر سنوات، وأصدر نسخة جديدة تفوق الثلاث الساعات، ومن أراد مشاهدة الفيلم كما يريده فليشاهد النسخة الجديدة.
وتحدث عن الشرق الأوسط وما يعتريه من تحولات، مشيدا بلبنان، ومذكرا بأن زوجته الاولى (رندة سركيس) لبنانية، وانها كانت جميلة وما زالت، وهي من منطقة كوسبا. وبشيء من الحنين، اشار الى انه سافر الى لبنان قبل الحرب، وقضى فيه اوقاتا جميلة، آملا بأن يعيد زيارته قريبا.
شاركنا النقاش