[sam_zone id=1]

فاتن قبيسي|

درجت العادة على تصنيف تلميذ لديه قدرة استيعابية اقل من زملائه ب”الكسول”، واعتاد بعض الاساتذة على وضع التلاميذ “الكسالى” في المقاعد الخلفية ليتصدر زملائهم “الشاطرين” في المقاعد الامامية. ويطرد اساتذة آخرون هؤلاء من الصف عقابا لهم. ويجنح بعض التلاميذ نحو التسرب المدرسي، نتيجة احباطهم واشعارهم بالفشل. ويقرر بعض الاهالي في احسن الحالات ان يحرم ابناءهم من اكمال تعليمهم بحجة انهم “مش من أهل العلم” وتحويلهم اما الى التعليم المهني، او الى ورشة ليعملوا فيها (رغم صغر سنهم غالبا) ويتعلموا من خلالها مصلحة حرة!

كل هذه المفاهيم الخاطئة والمزمنة، والخطيرة ايضا بحق التلميذ اولا، تناولتها حلقة “شو بني ماما؟” التي قدمتها الاعلامية منى ابو حمزة عبر”MTV “. وتصحيح هذه المفاهيم يبدأ من التشخيص، لذا فانها تندرج كلها تحت عنوان واحد هو “صعوبات التعلم”.

بمضمون هادف، وبسلاسة كبيرة، تناولت حلقة “شو بني ماما” مشكلة هي من اهم المشكلات الدراسية، بالتعاون مع “المركز اللبناني للتعليم المختص (كليس). وتبرز اهمية الحلقة بدءا من اختيار الموضوع بحد ذاته، ذلك ان الكثير من العائلات لديها من يعاني من “صعوبات التعلم” لكنها تجهل تشخيصه حتى، وصولا الى كيفية المعالجة بطريقة علمية- نفسية- اجتماعية، عبر استضافة مروحة من الضيوف اللبنانيين والاجانب.

والحلقة لا تعالج بالاجمال حالات استثنائية، او محدودة. فنسبة التلاميذ الذين يعانون من “صعوبات التعلم” تصل الى 10 بالمئة في لبنان. وهو رقم ملحوظ بطبيعة الحال. وتعرض الحلقة عبر تقارير موجزة تعريفات “لصعوبات التعلم” المتمثلة ب: ديسلكسيا، ديسفازيا، ديستركسيا، ADHD (اي صعوبات القراءة والكلام والحساب والافراط في النشاط). ويجمع الضيوف على انها ليست مرضا، ولا تدعو الى الخجل على الاطلاق. وليس هناك تلميذا “كسولا” بالاجمال، فالتلميذ الذي يكون مقصرا في مجال، فانه لا شك يبدع في آخر.

استندت الحلقة الى اعداد مكثف، فجاءت غنية بالمعلومات، وبالوجوه المستضافة. حاورت ابو حمزة كل من رئيسة “كليس” كارمن دبانة، ومدير عام وزارة التربية فادي يرق، للاضاءة على اهمية التعاون بين المركز والوزارة، لارساء سياسة الدمج بين جميع التلاميذ، وذلك من خلال تجهيز “صفوف الدعم” في بعض المدارس الرسمية، وتأهيل حوالى 150 استاذا ومرشدا حتى اليوم لادارة هذه الاشكالية.

وبدت ابو حمزة ملمة بالموضوع المتناول، فنجحت بالخروج من كل ضيف بالمعلومات المتوخاة، لتشكل سلسلة اللقاءات سياقا مترابطا ومتكاملا. واجادت اللعب على الوتر النفسي- التحفيزي لدى هذه الفئة من الطلاب، عبر استضافتها في الاستديو الفنانة الفرنسية نتالي باي التي كانت تعاني من صعوبات التعلم لتتحول الى نجمة عالمية. والموسيقي اللبناني العالمي ورجل الاعمال غي مانوكيان، الذي كان يعاني ايضا افراطا في الحركة، متناولا تجربته ايضا.

كما استضافت كل من العالم النفسي الفرنسي البروفسور اوليفيه روديه، والكابتن فادي الخطيب، والنائبة بولا يعقوبيان، علما ان حضور الاخيرة في الحلقة لم يخدم كثيرا السياق المطلوب. واجمع الضيوف على اهمية توجه ذوي الصعوبات التعلمية نحو الرياضة والرقص والفنون الاخرى، والدعوة الى طلب المساعدة من اختصاصيين، حتى من قبل طلاب الجامعات الذي يعانون من “صعوبات التعلم”، لأن هذه الاشكالية تلازم الكثيرين حتى في كبرهم.

هكذا وُضع موضوع “صعوبات التعلم” تحت المجهر. وهو موضوع إما نجهله أو نخجل منه. وقد اظهر تقرير ميداني عرض في الحلقة مدى اهمية الجهل بهذا الموضوع وامكانية الخلط بينه وبين الاحتياجات الخاصة. والاضاءة عليه في حلقة مكثفة لا تعني التلميذ فحسب، بل الاهالي، والأساتذة والمدارس ووزارة التربية.. ايضا.

ولعل كثافة الاتصالات التي تلقاها مركز “كليس” من قبل الاهالي، بعد عرض الحلقة الاولى من “شو بني ماما؟” في العام الماضي، تكشف مدى الحاجة لتكرار الخوض في هذا الموضوع.

“ستيفن سبيلبيرغ، البرت انشتاين، اغاتا كريستي، جورج واشنطن، ليوناردو دافنتشي….. غيروا مجرى التاريخ رغم صعوباتهم التعلمية، تذكروا انكم فيكم تبدعوا بالمجال اللي بتحبوه واللي انتو موهوبين فيه. خلي ثقتهم بنفسكن كبيرة وطموحكن بلا حدود . وحدها السما هي حدودكن”. هكذا ختمت ابو حمزة الحلقة لتختصر أهم محاورها، وتقفلها بطريقة تحفيزية.. جذابة.

“شو بني ماما؟” حلقة تعيد الجزء الغائب من الهوية التلفزيونية. الجزء التوعوي المطلوب للوظيفة الاعلامية، وسط برامج تغلب عليه الاثارة، او “الهرج والمرج”!

في هذا المقال

شاركنا النقاش