[sam_zone id=1]

فاتن قبيسي|

لا شيء يمكن ان يحرك ضمير الزعماء في لبنان. لا شيء بالمطلق.. وما فعلته جريدة “النهار” في عددها الصادر اليوم لن يقدم ولن يؤخر، مع احترامنا لهذه الصحيفة العريقة!

صدرت “النهار” اليوم بصفحات بيضاء كاملة. لم تنبس ببنت حبر. اعتمدت البياض اعتراضا على السواد الذي يلف البلد. على الوضع الذي ينذر بأزمة اقتصادية مستفحلة فيما السياسيون يواصلون “كباشهم” حول الحقائب الوزرية. على الهواء الملوث والطعام الملوث تلوث ايدي المسؤولين في البلد. على ازمة النفايات والمحسوبيات والمحاصصة.. والازمات سبحة لا تنتهي…

قد تكون “فلسفة” القيمين على “النهار” بأن الحبر جف بعد سيل مقالات يتردد صداها في الوادي، تماما كما الصرخة التي تختنق في الحناجر، لذا استخدمت الصمت هذه المرة بديلا عن الكلام، ارادت ان تكون الصفحات الثمانية مساحة اعتراض بحجم “البلاء” الذي نعيشه في البلد، في ظل “ترويسة” السياسة، والاقتصاد، والثقافة… ولكن هل من يفقه؟!

“النهار” ليست “ابنة” اليوم. وهي تعلم جيدا ان للدولة “جلد” تمساح. وهل الصدور بعدد “ابكم” اليوم سيحرك ضمير المسؤولين، طالما ان كل الصراخ والمناشدات لم يثنهم عن سد الفراغ الحكومي الذي دخل شهره السادس؟ لا شيء سيتغير .. حتى لو كانت الوسيلة المعتمدة هي الصوم عن الكتابة في صحيفة، لها رمزيتها، وما زالت تمارس مهنتها بلا انقطاع منذ العام 1933 ؟!

صباحا، لم نفهم كصحافيين من خلال الرسالة البيضاء، الا امرا واحدا.. توجسنا من ان الصحيفة العريقة ستلحق بزميلتيها “السفير”، و”الانوار”.. وغيرهما بسبب الازمة التي تعانيها المطبوعة الورقية بالاجمال. لكن رئيسة التحرير نايلة تويني صرحت اليوم في مؤتمر صحافي، ان الصحيفة مستمرة، وان هذه الحركة الاحتجاجية هي اعتراضا على الواقع المتأزم، وحث المسؤولين على تشكيل الحكومة…..

اي حكومة؟ وهل اذا تشكلت الحكومة سيتغير شيء؟ ربما الامر سيخفف مؤقتا من الاحتقان الحالي الذي يتفاقم يوما بعد يوم؟ ولكن هل سيحل الوزراء الجدد ازمة واحدة من الازمات العالقة، والتي تخنق المواطن لتمنع عنه حتى الاوكسجين النظيف؟

“النهار” ايضا تبحث بدورهاعن مصادر اوكسجين جديدة، بعدما سدت كل المنافذ بسبب سوء الوضع الاقتصادي والفوضى المستشرية في كل القطاعات.. فمرة تجترح حلولا اقتصادية من مثل “الكل في جريدة” (عبر الاعلان)، ومرة اخرى تحاول تفعيل حضورها معنويا لتخرج بعدد مثل عدد اليوم.. هذه هي الخلاصة.. الصحافة بمعظمها تعيش موتا سريريا، و”النهار” التي لها فضل كبير على الصحافة في لبنان- تماما كما كانت “السفير”- بحاجة لدعم مادي ومعنوي.. هذا ما يمكن فقط استخلاصه. والقول بغير ذلك لن يوصل الى مكان..!

.. والزعماء في لبنان غير مكترثين لوجود حكومة من عدمه، او لوجود صحافة اساسا من عدمه.. فلتكتب الصحف عن فسادهم يوميا، او لتخرج صفحاتها بيضاء، او لتغلق “محابرها” الى الابد.. ذلك كله لا يعنيهم.. ان دولتنا صماء.. حقا صماء!

في هذا المقال

شاركنا النقاش