فاتن قبيسي|
دريد لحام في لبنان، الخبر ليس جديدا، فهو لطالما زار وطن والدته البقاعية، ولكنه خبر مفرح بالنسبة الى الكثيرين. فشخصية “غوار” وغيرها ممن اشتهر فيها الفنان الكبير، محفورةً ليس في ذاكرة السوريين فحسب، بل في وجدان اللبنانيين ايضا.
صباح الجزائري كذلك، رصيدها الفني متجذر في لبنان كما في سوريا تماما. فنانة تتمتع بتقدير عال في البلدين، الذين تنتمي لهما على قدر متساو، اذ ان زوجها واولادها لبنانيون.
اما المخرج باسل الخطيب الذي اعتاد زيارة لبنان، وقد مكث فيه لأشهر طويلة في العام 2011 اثناء تصوير المسلسل اللبناني “الغالبون”، فأعماله تتخطى الحدود الجغرافية لتتخذ طابعا عربيا شاملا. وهو السوري من اصل فلسطيني، وقد حمل القضية الفلسطينية عميقا في اعماله، وأخرج مسلسلات وافلام ايضا في القاهرة والجزائر ….
وعليه، يمكن القول بأن الثلاثة هم من “اهل البيت”. هذا ما شعرنا به عندما وقفوا مساء امس امام الجمهور اللبناني في سينما “سيتي” في اسواق بيروت، مع الفنانة كندة حنا، والمدير العام “للمؤسسة العامة للانتاج الاذاعي والتلفزيوني” مراد شاهين. والمناسبة اطلاق الفيلم “دمشق حلب” في الصالات اللبنانية، بالتزامن مع الأردن والعراق.
كلمات مختصرة قالها كل من الفنان لحام والمخرج الخطيب قبيل العرض، الا انها محمّلة بالمحبة .. والود. ذكّرنا لحام مجددا بانتمائه الى لبنان، كون قلبه خفق خفقته الاولى في جسد أم هي ابنة بلدة مشغرة. وقال الخطيب ان سر الفيلم او تعويذته هو الفنان دريد لحام. وخيراً فعل المخرج السوري عنما أعاد هذه القامة الفنية الكبيرة الى الشاشة الكبيرة بعد تسع سنوات من فيلمه “سيلينا” (اخراج حاتم علي). وحسناً فعل أيضا لأنه جمعه بصباح الجزائري بعد انفصالهما فنيا حوالى 38 عاما!.
لقد فجّر لحام مشاعر كثيرة وعميقة في الفيلم، لم يتخل عن روح الفكاهة التي يملكها بالفطرة، لكنه استثمر احاسيسه على نحو درامي رائع. كأنه اختزل كل التداعيات النفسية الثقيلة التي خلفتها الحرب في سوريا لتظهيرها في “دمشق حلب”. بدا أداؤه مكثفاً وموغلاً في الوجع أحيانا، وكذلك مترفّعاً عن زلات المغالاة في التعبير في أي من المشاهد. أداءٌ يحكمه الصدق.. والخبرة.
الفيلم الحاصل على جائزة الافلام الروائية الطوية في مهرجان الاسكندرية السينمائي، لم يتطرق الى الحرب بجانبيها السياسي أو الدموي، بل اختصر مظاهرها المباشرة بمشهدين، الانفجار في قصر العدل، والطريق الملغومة الذي يفصل لحام عن ابنته. وما بينهما رحلة بين دمشق وحلب في حافلة تحفل بالأحداث.
ويسجل للكاتب تليد الخطيب توفيقه في رسم “كركتيرات” شخصيات الفيلم: الاعلامي السابق عيسى عبد الله، الذي تتقاطع الى حد ما مع شخصية لحام الحقيقية، لجهة روح التعاون التي يملكها. وشخصية الاعلامي “العصري” الذي اجاد الفنان عبد المنعم عمايري تجسيدها، فبدا ظريفا ومقنعا جدا، ليرصد الكاتب من خلالهما الاختلاف العظيم الذي اصاب مهنة الاعلام بين الامس والحاضر. وهو رصد في مكانه. كما شكل صوت المطربة نيرمين شوقي اضافة فنية جذابة. كذلك نجح علاء القاسم وسلمى المصري ونظلي الرواس وكندة حنا. ولعل المشهد الاخير الذي جمع حنا ولحام بعد وصوله اليها في حلب، كان الاقوى والأكثر تأثيرا. مثل تلك المشاهد يجيد الخطيب عادة ابرازها على نحو من الاختزال والتكثيف. فيتنحى الكلام لحساب اللقطات الانسانية العالية الوجدانية.
غير أنه يؤخذ على النص ما يتعلق بمجريات الرحلة. فمن ناحية، حملت مغزى هاما: ركاب غرباء عن بعضهم، تنتهي بهم الرحلة كمجتمع متجانس ومتحد، اثر اشكالات تعرضوا لها في طريقهم. وهو بمثابة اسقاط على المجتمع السوري المرجو تضامنه رغم قسوة الحرب وتشرذماتها. ولكن من ناحية اخرى، كانت قصص المتوجهين الى حلب (باستثناء عيسى عبد الله) على شيء من التبسيط، مما حرّف قليلا من انتباه المشاهدة. كان بالإمكان ان تحمل قصص المسافرين او أهدافهم من الوصول الى حلب نقاطا لافتة اكثر لإغناء السيناريو، ولإبقاء العصب الدرامي قويا ومتماسا كما كان الحال في القسم الأول من الفيلم، علماً ان هذا العصب عاد ليشتد في المشهد الاخير، على نحو بلغ الذروة الدرامية.
شاركنا النقاش