[sam_zone id=1]

خلال الثلث الثاني لشهر رمضان، ما زال المسلسلان “كل الحب كل الغرام”، و”الحب الحقيقي” يحتلان المرتبتين الاولى والثانية، بحسب شركتي الاحصاء في لبنان “ايبسوس- نيلسون” و”جي اف كي”. لذا فاننا نتناول هنا هذين العملين تحديدأ، منعا لاي تناقض او استنسابية.

قد يفاجأ الكثيرون ممن لا يزالون يأخذون بلغة الارقام في لبنان، بأن يأتي “كل الحب كل الغرام” في المرتبة الأولى. فالمسلسل الذي يخرجه ايلي س. معلوف، والمتصدر اليوم على الساحة هو من اضعف المسلسلات الرمضانية. مفارقة تذكرنا ب”باب الحارة”. عمل يفتقد الى عناصر القوة والاقناع، كما يشوه البيئة الشامية، ومع ذلك كان ثمة اقبال عظيم على مشاهدته. اهو الاستسهال الذي ينحو اليه المشاهد العربي، ام ذكاء القنوات العارضة في الترويج للعمل، ( MBC كانت عرابة المسلسل الشامي)، ام انهما معا؟

قد يستنتج البعض ان ارقام شركتي الاحصاء غير دقيقة. ولكن في المقابل، يبدو ان ثمة شرخا بين ذوق المشاهد والمعايير المهنية. هوة بين الجمهور والنقاد. فالاعمال المشغولة والمكلفة قد لا تنال نصيب تلك الضعيفة، ولا تجايرها في “الرايتينغ”. وهذا يطرح سؤالا حول مستوى المتلقي عموما في لبنان.

“كل الحب كل الغرام”

ثمة وهن عام في اوصال “كل الحب كل الغرام” (بطولة باسم مغنية وكارول الحاج) سيما في الجزء الثاني، حيث تراجع مستوى السيناريو والاخراج الى درجة دراماتيكية.

قيل بأن الكاتب الراحل مروان العبد توفي قبل اتمام نصه، فأحيل الى غيره لاستكماله. ذلك واضح. لأن بدايات العمل كانت افضل بلا شك، مع الفنان فادي ابراهيم واليسار حاموش. القصة وقتها جذبت الناس، لكن قبل انتهاء الجزء الاول بدأ التراجع.

عمل يقوم على ركاكة الحوارات، ضعف الكاستينغ، تسطيح للاحداث، المراوحة والبطء. عشر حلقات متتالية هنا قد لا تحمل تطورا يذكر في المجريات. الحوارات تكاد تكون مكررة، وتعدد المفردات فيها لمعنى واحد اصبح سمة العمل. وحتى الاحداث تقع في مطب التكرار. فما حصل خلال طفولة “شادي” و”اليسار” هو ذاته يحصل في شبابهما. جيل كبر، ولم يتغير شيء، لا على مستوى الشكل (العمر والماكياج) ولا على مستوى المضمون: “ربيع” ما زال غائبا، ورجال الانتداب يتعقبون كل غريب، والناس لا يزالون يتندرون بخصال “بنت الارض” الشخصية المثالية، وحتى الطبيب- العريس الذي تقدم لخطبة “نسرين” في طفولة “شادي” واليسار”، يعود ذاته ليطلبها للزواج في شبابهما!

ولسوء حظها، لم يسر العمر الا على الفنانة مي صايغ. وما زاد الطين بلة ان الماكياج المستخدم لم يحسن تظهير تقدمها في السن، بل شوه وجهها، فيما الجميع حولها توقف الزمن عندهم.

لا مجريات مفصلية حتى اليوم. شخصيات مرسومة بلا منطق وبلا اتقان، واهمال للادوار المتوسطة والصغيرة. وجوه جديدة بدت وكأن اصحابها “يتمرنون” في العمل، ممثلون يهجئون ادوارهم (اختيروا ربما تقطيرا في ميزانية الانتاج).

وفي ظل هذا التراخي العام، لم يتمكن الفنان باسم مغنية (بدور ربيع) من اثبات نفسه. يصعب عليه تسجيل بصمته على جدار هش. لذا كان حضوره اقوى واكثر احترافا في “تانغو”.

والمفارقة ان شخصية “نسرين” خيالية. لا تنتمي الى فئة البشر. تحارب الانتداب، وتحسن الى من ظلمها، وتسامح من خانها، وتعطي من يحتاج، وتدعم الثوار، وتؤمن وظائف للعاطلين عن العمل، وتجمع العشاق، وتجد لهم منازل للسكن. وتتمتع بذكاء كبير وصبر وحكمة، وتحل مشكلات من حولها بقدرة فائقة، وهي منزهة عن الخطأ، ومجبولة بالوفاء، ولا تعرف اليأس ابدا!

ولا نغفل مشكلة التصوير البدائي، والاخراج الذي ينقصه الاحتراف. “الكادرات”واللقطات عموما يحكمهما الاستسهال، وثمة افتقاد الى رؤية فنية عامة في العمل.

الحب الحقيقي:

القاعدة العكسية يطبقها مسلسل “الحب الحقيقي” للمخرج جوليان معلوف (المنتج المنفذ مي ابي رعد). اي انه حقق قفزة نوعية في الجزء الثاني مقارنة بالجزء الاول. ويتكرس هذا الانطباع بعد حوالى ثلاثة اسابيع من المشاهدة. فالاخطاء الاخراجية التي كانت مكشوفة تم تداركها بذكاء في الجزء الحالي. واحرز العمل المعرب عن النسخة المكسيكية تقدما واضحا.

غنى الاحداث وتكثيف الحوارات، والايقاع السريع. نقاط ما زال العمل يحافظ عليها. فكل حلقة فيها حدث مفصلي او اكثر. وتوهج المتابعة نابع من عدم انتظار الحلقات الاخيرة لتحل المشكلات دفعة واحدة. كما درجت عليه غالبية الاعمال.

المسلسل ينطوي على مشاهد مشحونة بالانفعالات والمواقف الانسانية، صراعات بين الشخصيات واخرى داخلية تكشف عورات الانسان ونقاط ضعفه. ولعل ابرزها الصراع الذي يعيشه “رامي” (نيقولا معوض) بين حبه ل”نورا” وموقفه الانساني ازاء “رنا” (يارا فارس)، وبين واجبه كرجل امن ورغبته باسترجاع حبيبته “نورا”. والحوار الذي دار في حلقة امس بين “رامي” وراكان” (جوليان فرحات)، كان من اكثر الحوارات استقطابا في العمل. امتلك فيه الشاب شجاعة الطلب من زوج حبيبته مساعدته على جعلها تكرهه، ليتسنى له نسيانها.

وان كان ثمة ثغرات احيانا، الا ان لعبة التشويق حاضرة في العمل، الذي يكتب حلقاته جاد الخوري وجواد مزهر. كما ان الممثلين يؤدون ادواره بشغف. وهذا ما ينعكس على الشاشة واضحا. بدءا من باميلا الكيك، وجوليان فرحات، ونيقولا معوض، ونهلة داوود، والياس الزايك، واندريه ناكوزي، ونغم ابو شديد، وطارق سويد، واليكو داوود، ويارا فارس…

غير ان ثمة خطأ تكتيكيا ربما. القبلات الساخنة في بعض المشاهد لا تتناسب مع اجواء شهر رمضان. فالبيئات الاجتماعية في لبنان متفاوتة كما هو معروف. وما هو مقبول ومحبذ في بيئة هو مرفوض في اخرى. وما هو مقبول في بيئة بعينها خارج رمضان هو مرفوض لديها خلال ايام الصوم….

في هذا المقال

شاركنا النقاش