[sam_zone id=1]

فاتن قبيسي|

استعادت مسرحية “ابو الغضب” التي قدمها جو قديح، على مسرح الجميزة امس، بحضور الوزير السابق نقولا صحناوي، ذكريات الحرب الاهلية والتجارب الانسانية التي رافقتها. ولكن قديح لم يستغرق في وحولها، وفي صراعاتها الحزبية، ومعاركها الدموية. بل اطل عليها من نافذة الملاجىء التي كان يهرع اليها الاهالي اثناء القصف. الملجأ هو ذاك الطابق السفلي المحوري في المسرحية، وحوله تفاصيل اخرى تعيدنا الى الفترة الممتدة بين العامين 1975 والعام 1990.

لذا لا تتبنى المسرحية موقفا مع جهة ضد اخرى. ولا تتضمن تقييما او محاكمة. ولم يحمّل قديح مقولاته اساسا ما لا يحتمله عمل يتسم اجمالا بالظرف. لقد نبش في الذاكرة وبذكاء تفاصيل صغيرة على حوافي الوجع والخوف الذي كانت تثيره الملاجىء في دواخلنا، اثناء جنون الحرب. تفاصيل اعتقدنا اننا نسيناها، او حتى لم ننتبه اليها يومها تحت وطأة سيطرة غريزة البقاء، لكن قديح نجح في استبعاد ما يوقظ الالم، واستحضار ما يبعث على الضحك في يوميات، كانت المواقف فيها اشبه بالكوميديا السوداء!

اعادنا الى اجواء الملاجىء برطوبتها وعتمتها، واختلاط ابناء الجيرة من مختلف المستويات الثقافية فيها. تكلم بلغاتهم العربية والفرنكوفونية، اعادنا الى اجواء لعب الورق، والاستنارة الخافتة بالقنديل او اللوكس. والى الراديو القديم- الترانزستور الذي كان “يزف” للناس الخبر العاجل.

حتى رائحة “الكاتول” شعرنا انها انتشرت في المكان، عندما تحدث عن تلك الاقراص التي كان يتم اشعالها لقتل البرغش.

كما تماهى قديح تلفزيونيا مع تلك الفترة الزمنية، فأعاد ترداد بعض نصوص واغنيات الاعلانات التجارية الماضية، واستذكر اسماء بعض اعلاميي ونجوم ذلك الزمن. احاطتنا بظروف الحرب الطويلة وادواتها ولغة التواصل التي كانت سائدة وقتها، وإعلامها الذي كان مقتصرا على “تلفزيون لبنان” وبعض الاذاعات الخاصة. وهذا ما يُحسب لقديح، لأن الحرب لا تترك عادة في بال من عايشها الا الذكرى البشعة. فنجح في اضحاك الجمهور تماما كما فشلت الحرب في هزمه لسنوات خلت.

استخدم قديح في مطلع كل مشهد الجمل السريعة المقفاة بطلاقة، بل انه على الارجح لم يعتمد تقسيم المَشاهد، بحيث بدا العرض مترابطا من اوله الى آخره. بعيدا عن الوعظ والخطابة.

“ابو الغضب” عمل مونودرامي، مونولوج، او ربما حكواتي.. قد تنطبق هذه التوصيفات على المسرحية. لعل قديح كان يروي فيها تجربته، يدون ذكرياته، يحول القصة الى نكتة. ويحضنا معه على الابتسام. وحده قدم العرض، بلا فلسفة اخراجية، وببساطة مفرطة في الديكور.

لكن المُشاهد يشعر ان العمل قد خفت ايقاعه في جزئه الاخير. لم يحافظ على “لمعانه” حتى النهاية. فانخفض منسوب التفاعل مع الجمهور. التفاعل الذي فرضه قديح لوقت ليس بقصير بسبب تلقائيته في الاداء. فهو لم يمثل هنا، ولم يتقمص شخصية، بل كان هو نفسه، يخرج من المسرحية متحدثا مع الجمهور، اذا فرضت الحاجة، ثم يعود اليها بانسيابية تامة.

ويبقى سؤال: اليس “ابو الغضب”عملا موجها فقط لفئة من الجمهور دون غيرها؟ اليس المقصود به جيل الحرب حصرا؟ واذا شاهده شباب اليوم الى اي مدى سيتفاعل معه؟

في هذا المقال

شاركنا النقاش