فاتن قبيسي |
اقيم أمس العرض السابع والأخير لفيلم “اخضر يابس” لمؤلفه ومخرجه المصري محمد حمّاد، في سينما “متروبوليس أمبير صوفيل” في بيروت. عرض محدود وسريع. سألنا الجهة المنظمة عن السبب، فجاء الجواب بأن مثل هذا النوع من الافلام غير مرغوب به جماهيريا!
لا تحتاج لوقت طويل اثناء المشاهدة، لتفهم بأن الفيلم ينتمي فعلا الى نوعية مختلفة عن معظم السائد في صالات العرض. بعض الرتابة في الشكل، ولكن كثير من العمق في المضمون.
تطالعك قصة إيمان المحورية، الفتاة المحافظة المسؤولة عن اختها، تعاني من ظروف حياتية ومادية صعبة، وتعمل في محل لبيع الحلوى، وتقوم بكل المسؤوليات المنزلية، من دون اي تعاون من اختها. وتعيش قلقا على صحتها، بعدما تأخرت عادتها الشهرية.
يبدأ الشريط ويستمر بمعظمه على المنوال ذاته: إيمان اما في العمل واما في المنزل، واما في الطريق الفاصل بينهما. مشاهد فيها الكثير من الصمت، حتى حواراتها مع اختها مقننة جدا ومختصرة. وفيها هدوء وبطء السلحفاة، التي تعيش في منزلها، والتي كانت تلتقطها الكاميرا في محاولة اسقاط على حياة صاحبة المنزل. تماما كنباتات الصبار على شرفتها، والتي استهل فيها الفيلم، في إشارة الى ان حياة البطلة مليئة بالأشواك .. والصبر.
كل ذلك يحمل دلالات، ولكنه يجعل بعض المٓشاهد رتيبة الى ما يقارب الملل، وتتساءل لماذا هذا الاسهاب والتكرار. فمشهد إيمان على سبيل المثال وهي في القطار ذهابا وإيابا تكرر مرات عديدة، واستخدامها للقطار امر حسم باكرا في ذهنية المشاهد، لا سيما وان منزلها يقع بمحاذاة سكة الحديد.
ولكن النجاح في اختيار الأماكن والممثلين واللقطات الفنية، وإجادة البطلة في تجسيد فتاة شرقية محرومة من الحب، ومكبلة بقيد التقاليد… كل ذلك يضفي، في الوقت ذاته، شعورا مضادا يلامس التشويق. هذا التناقض في المشاعر كان يحرك فضول المشاهد واحساسه بان ذلك كله ما هو الا توطئة.. لحدث اهم!
وبالفعل يصدق حدسك. تعلم ايمان من طبيبها بانقطاع عادتها الشهرية في عمر مبكّر. فتستفيق فجأة انوثتها الراكدة وشبابها المهدور وحياتها المؤجلة. وهي التي لم تتزوج ولم يدخل رجل الى حياتها، ولم تذق نعمة الامومة. فتأخذها الصدمة الى حيث لا يتوقع المشاهد ابدا. يختتم الفيلم بمشهد يحمل الكثير من البلاغة، والتمرد على النظرة السائدة في المجتمعات العربية للمرأة. ويختصر كنه معاناة المرأة وتضحياتها المجانية.
هذا المشهد ( لن نفصح عنه حفاظا على خاتمة الفيلم) يعكس ايضا جرأة في التعاطي مع قضية المرأة العربية. ويجعلك تحسم بان هذا الروتين في الأحداث إنما هو مقصود من قبل المخرج، باعتباره يعكس حياة البطلة وايقاعها الخافت، على مدى السنوات الضائعة.
كما يبرز الفيلم بان الرجل لا يكون دائما نصير المرأة. فايمان التي تتحمل المسؤولية كاملة، يطالبها المجتمع بوجود ذكر من العائلة لإتمام خطبة اختها. وعندما امتثلت للتقليد، خذلها اعمامها الذين اعتذر اثنان منهم عن الحضور، فيما عجز ثالث بسبب المرض.
ويُحسب للمخرج بانه تعاون في الفيلم مع اقربائه، بدلا من ممثلين محترفين. وقد نجح في ذلك، ببذله مجهود اضافي في تدريبهم، رغم ان الامر يشكل مغامرة بحد ذاته. علما ان المشاركين هم هبة علي، اسماء فوزي، محمد عيسى وآخرون، ومنتجة العمل خلود سعد. مع الاشارة الى ان الفيلم شارك في اكثر من 25 مهرجانا دوليا، وحصد عددا من الجوائز.
فيلم “أخضر يابس”: كلام قليل يقول الكثير.. والمثير!
شاركنا النقاش