دمشق: آمنة ملحم|
بعيدا عن أجواء الحرب ولكن من قلب اللهب، وبعيدا عن المباشرة في الطرح ولكن من صميم الواقع، حوّل الكاتب سامر محمد اسماعيل حكاية حقيقية الى فيلم سينمائي حمل عنوان “يحدث في غيابك”، أخرجه سيف الدين سبيعي، في اول تجربة إخراجية سينمائية لفيلم روائي طويل له.
الفيلم الذي انطلق مساء أمس بعرض خاص في دمشق، بطله صحافي من مدينة حمص السورية، وتدور احداثه في ظل الأزمة التي كانت تعصف بالبلاد في العام 2013.
على عتبة الألم، يقف ذلك الصحافي (يزن خليل) عاجزا أمام حادثة اختطاف ميكروباص يقل معلمات من المدينة لتكون زوجته وطفله من المخطَوفين، فيجد نفسه منجرّا الى اللعبة ذاتها، فيخطف طبيبة من طيف مختلف عنه، ظنا منه بأن سيستعيد بذلك زوجته وطفله.
حالة أخذ ورد على حدود الإنسانية تتأرجح بين الصحافي والطبيبة المخطوفة (اللبنانية ربا زعرور) في منزله، وهو لوكيشن الفيلم الوحيد تقريبا، والذي احتضن حكايته لساعة ونصف، ليشكل تحديا ارتكز على أداء الممثلين وإدارة المخرج. لقد استطاع سيف الدين سبيعي تجاوز حدود المكان بحركة كاميرا انسيابية وإدارة جيدة للممثلين، وعبر لقطات مختارة بتأن، وتفاصيل إنسانية مدروسة وعميقة حاكها الكاتب بعناية ترواحت بين مشاعر الانتقام المتبادلة والرجوع إلى الإنسانية، فتارة يثور البطلان بوجه بعضهما، وطورا نجد كل منهما مسؤولا عن مساعدة الآخر، وذلك في تأرجح واضح على حبال الخير والشر في النفس البشرية، ليخلص الفيلم إلى أنه بالحب فقط قد تنتهي الحرب.
أداء تمثيلي عال قدمه الفنان يزن خليل في أول بطَولة سينمائية لفيلم روائي طويل له، متقمصا الشخصية بانفعالات مضبوطة وتقلبات مدروسة. ففي المشهد الواحد نراه يثور ويبكي معا، وكذلك حقق انسجاما عاليا كثنائية مع الفنانة ربا زعرور التي أبدت حساسية عالية بأداء الدور واتقان اللهجة البيضاء السورية، وانفعالات صادقة جسدتها بمسؤولية في الأداء.
كما حل كل من الفنانين جلال شموط وعبد الرحمن قويدر ضيفان على الفيلم ليشكلان منعطفا في نهايته وينثران ضحكة من قلب وجع الحرب، فهما مسلحان يدخلان منزل الصحافي ليجرداه من كل الأثاث الذي شكل بطولة في الفيلم بتفاصيل عكسها حرص الصحافي على الحفاظ عليها طوال الوقت، ولكن المخرج سبيعي استطاع تغليف مشاهد المسلحين بطرافة الموقف بما يضحك الجمهور، وصولا الى الحدث الذي أثمر حبا في المشهد الختامي بين البطلين، المجردين من كل شيء حولهما سوى من الحب.
وعلى هامش العرض، أشار المخرج سبيعي إلى أن الفيلم حمل تحديا كبيرا كونه يعتمد على شخصيتين فقط في مكان واحد، وهذا يصعب تقبله من المُشاهد على مدار ساعة ونصف، لهذا ارتكزوا على البناء الدرامي المحكم، منوها بأن الفيلم عموما يعكس صراعنا كسوريين مع بعضنا، وأن هذه التجربة ذات خصوصية عالية بالنسبة له كونها أول منجز بصري يحصد ردة فعل الجمهور مباشرة، وهذه ميزة السينما كما المسرح، معرجا على أن اختيار الأبطال تم بعد جلسات “كاستينغ” طويلة، معتبرا بأنه وفق بخياراته لدرجة كبيرة.
الفنان يزن خليل لفت ل”شاشات” بأن هذه التجربة ممتعة جدا له مع المخرج سبيعي كونه ممثلا في الأصل، حيث يترك مساحة كبيرة للنقاش وتطوير التجربة لتكون مرضية للجميع.
ونوه خليل بأن هذا الفيلم من أصعب التجارب الفنية كونه يرتكز على الحكاية والتمثيل، فلا وجود لأدوات مساعدة ولا إبهار بصري، وانما تطلب الكثير من المسؤولية في الأداء.
ونوهت الفنانة ربا زعرور بدور المخرج ومساندة الفنان خليل لها للتركيز على الأداء والخروج من حاجز اللهجة، معربة عن سعادتها بهذه التجربة في سوريا، متمنية تكرارها.
بدوره، لفت الفنان جلال شموط إلى أن التجربة ممتعة وجميلة، ورغم حضوره بمشاركة بسيطة، إلا أنه يشكل منعطفا خلال احداث الفيلم.
كما رأت الفنانة نور الوزير بأن المشاركة بالسينما لو بمشهد واحد هو إغناء لتجربتها، معربة عن سعادتها بالعمل مع المخرج سبيعي، لاسيما أن ظهورها كان مختلفا، فحضرت كطيف لزوجة الصحافي المخطوفة، التي تعيده الى صوابه وإنسانيته مع كل فعل قاس يقدم عليه.
شاركنا النقاش