آمنة ملحم|
هناك في الحي الشعبي البسيط الذي تسيج الأسلاك شوارعه الضيقة وتشبه زواياه وبيوته حياة الكثير من أبناء المجتمع السوري، قدم الكاتبان مؤيد النابلسي وعثمان جحا حكاية “وثيقة شرف” بعدسة المخرج باسم السلكا إنتاج “قبنض”، بالتعاون مع منصة “وياك”.
الحكاية خطها أربعة شبان من الحي وعلقوها على حائط غرفة، لطالما لمت جراحهم وأحلامهم وخطاياهم بين جدرانها، إلا أن العهد كان كافياً لينتزع من قلبهم الشر الذي مهما كان طاغياً، فان بذرة المحبة تقوى عليه لآخر لحظة.
مهيار خضور، فاتح سلمان، هافال حمدي ولجين اسماعيل ارتدوا وجوه الشبان الأربعة “بركات الوحش، غيث، نبيل، وعفيف” بالكثير من التبني للشخصيات. حكاياتهم انطلقت من غرفة حملت عهدهم، فبركات هو الدرع الحامي لهم بصورة “البطل الشعبي” الذي لا يهاب الموت، نراه ابن رجل قاسي (عبد الهادي الصباغ)، مارس كل أنواع التسلط على أبنائه، فكان من الطبيعي أن يخرج ابنه الأكبر بعباءة الشاب الحامل لصفات الحزم والقوة والاندفاع نحو الموت دون مهابة. وغيث الذي قست الحياة على والده (فراس إبراهيم) فقتلته القسوة، ارتدى ثوبا مغايرا فهو لا يريد نهاية أبيه. أما نبيل الشاب الهادىء الذي يعمل على الآلة الكاتبة لدى روائي (أسامة الروماني) فقط أغراه ذلك العالم، وحوله لكاتب احترافي لحكاية “فكتوريا”.
سوزان نجم الدين التي صفعها عالم الرقيق الأبيض وجردها من أنوثتها، كما حال فتيات كثيرات وقعن ضحية عصابة تجارة الرقيق، قررت الانتقام لهن على طريقتها برواية يقرأها العالم أجمع، فكانت رحلتها مسيجة بالمخاطر ومحفوفة بالجريمة.
أما “عفيف” فقد كان له من اسمه نصيب ابتداء من نمط تربيته على يد أم متدينة (سلمى المصري)، مروراً بتعلقه بزوجته الدلوعة “صفية” (مديحة كنيفاتي)، انتهاء بقدرة أخت معلمه “نوران” (أمل عرفة) على استمالته، متسلحة بقدرتها المادية لتخرجه من عالم الفقر، ليصبح “المعلم عفيف”، كما أرادت نوران له.
العمل سلط الضوء على عدة قضايا هامة من تجارة الرقيق الأبيض، والعهد بين الأصدقاء، والسعي نحو الأمومة واستعادة الأنوثة المفقودة، وعالم العصابات الصغيرة والكبيرة، وحياة الراقصة وعالمها، وذلك في اطار حكاية مشوقة من بداية العمل وحتى نهايته.
“وثيقة شرف” عشارية اجتماعية سورية بعيدة عن مشاهد الإغراء المجاني، قامت على بطولة جماعية تميزت بها الدراما السورية غالبا، مع رباعية “رجالية” منسجمة في الحكاية والأداء، حيث قدمت الشخصيات بأداء متزن بعيد عن المبالغة.
وقدم العمل نظلي الرواس بدور الراقصة “هيام”، التي تقاطعت حكايتها بين حياتها كراقصة وكأم لشابة جامعية، وكأنثى أحبت “بركات” لكن طبيعة عملها صفعتها كما صفعت ابنتها. وأجادت الرواس بأداء الشخصية، حالها كحال “صفية” مديحة كنيفاتي التي أدت دور الزوجة الدلوعة والمتمردة، لكن التوازن في الظهور أكسبها حضوراً مختلفاً هذه المرة.
وكعادتها الفنانة أمل عرفة أينما تحضر تسجل بصمتها الخاصة، فلفتت شخصية “نوران” الأنظار بتملكها لأدواتها، وظهورها المتأرحج بتوازن ما بين القوة بامتلاكها المال، والضعف أمام “علة” في قدمها، لتقول كلمتها بمشهد “ماستر” حضرت فيه بمواجهة قوية في عرسها مع “عفيف”، الذي استطاعت خطفه من زوجته رغم تعلقه الكبير بها.
حضور مهيار خضور في العمل كبطل شعبي حمل بدايةً نوعاً من الشعور بتنميط خضور بهذا الدور، ولكن مع تصاعد الأحداث اثبت قدرته على منح أي شخصية يتبناها ظهوراً خاصا بها، وهذا يحسب له ولقدرة “أكثم حمادة” على إعداد الممثل، وإن كان على خضور الخروج لاحقاً من عباءة هذا الدور وفق قدراته العالية التي يملكها.
ولعب المكان والديكور في العمل لعبته أيضاً، فكان حاضراً بقوة بما يعيد الحميمية بين الدراما والجمهور السوري والعربي، اذ ان شوارع الشام وأسواقها لطالمت شكلت عامل قوة فيها.
ورغم بعض التخبطات والعجلة في الحلقة الأخيرة من العمل، إلا أن المشاهد الأخيرة للعشارية التي جاءت بالاجمال مكثفة في حكايتها وبعيدة عن المطمطة، استطاعت دفع المشاهد نحو التشويق من جديد، وترقب الجزء الثاني من العمل، وذلك لمعرفة المزيد عن أبطال “وثيقة شرف” سورية بامتياز.
شاركنا النقاش