فاتن قبيسي|
كان يمكن التنبؤ مسبقاً بمسار “استقصاء”، البرنامج الوثائقي الذي انتهت امس قناة “الجديد” من عرض حلقته الثالثة، تحت عنوان “حكاية طويلة”. وثائقي يتمحور حول الفنان فضل شاكر المطلوب للعدالة بعد معارك عبرا، ويحمل توقيع الزميل فراس حاطوم.
منذ ان اطل حاطوم مع الزميل طوني في برنامجه “العين بالعين”، كان واضحا ان المكتوب يقرأ من عنوانه. فقد اندفع فيها يدافع عن شاكر بلا انقطاع. مما حسم ان وظيفة الوثائقي هي لخدمة صورة شاكر.. ليس الا!
بدأ الزميل حسين خريس بدوره في مستهل الحلقة الاولى، بتبييض صفحة شاكر، معتبرا ان كل ما صدر عنه عبر الفيديوهات والصور في تلك الفترة، انما يأتي في اطار ردة الفعل ليس الا. وهكذا يصبح اي فرد منا غير مسؤول عن ردة فعله، لتتساوى بذلك الرصانة مع العبثية والاذى. فكرة بدت هزيلة في طرحها من قبل خريس.
لقد اعتمد الوثائقي اساسا على مقابلة فضل شاكر في مكان اقامته في مخيم عين الحلوة، ليروي حكايته منذ العام ٢٠١١، وليوضح طبيعة علاقته بـالشيخ أحمد الاسير والكلام عن تورطه في معارك عبرا.
انتظرنا الحلقات الواحدة تلو الاخرى، علنا نجد فيها من التوازن المهني ما يقطع الطريق على اي نقد. الا ان الاداء كان يتبع مسارا واحدا. لم يساجل هنا حاطوم كعادته، معظم اسئلته كانت متواطئة مع اجابات متوقعة لتبرئة الذات. لم يمارس حسه النقدي كما يجب، ولم يخرج من الوثائقي ما يضيف الى معلوماتنا. اخبرنا شاكر بأن عبارته المصورة الشهيرة اثناء معارك عبرا: “روحنيلكن فطيستين” انما كان يقصد بها عنصرين من “حزب الله” وليس من الجيش اللبناني. حسنا. وماذا بعد؟ نقل بلسانه ولسان حاطوم صدور الحكم ببراءته من قتل الجيش. ولكن ماذا عن الحكم بسجنه 15 عاما؟ ما هي تلك التهم الموجهة اليه في هذا الصدد؟ بقيت هذه النقطة غامضة!
حتى المقابلات التي اجريت في اطار الوثائقي كانت تخدم الرسالة التي اريد ايصالها من خلاله الى الرأي العام. خصوصا اللقاء مع متعهد الحفلات عماد قانصو، وبما في ذلك اللقاء مع رئيس المحكمة العسكرية السابق العميد خليل ابراهيم، الذي اوضح ان حكمين صدرا بحق شاكر، احدهما قضى بسجنه خمسة اعوام بتهمة الاساءة الى دولة صديقة. ولكن ماذا بشأن الثاني؟ لم يتوضح لنا ماهيته.
وفيما دعا العميد ابراهيم الفنان شاكر لتسليم نفسه الى القضاء لتعاد محاكمته مجددا، كانت اسئلة حاطوم له تصب في منحى واحد: هل هناك امكانية لتخفيف الحكم عليه؟ ما هي المعاملة التي سيخضع لها اذا سلم نفسه، هل سيكون هناك نوع من الاذلال او التشفي به او سوء معاملة؟ هل كنت من المعجبين بفضل شاكر كفنان؟!
كذلك اتخذت اسئلة حاطوم لرئيس الحكومة سعد الحريري في مطلع الحلقة الثالثة المنحى نفسه. سأله عما اذا كان يضمن له محاكمة عادلة ( بناء على طلب شاكر نفسه)، وعما اذا كان هناك امكانية لصدور عفو عام.. !
نحن بالتأكيد مع المحاكمة العادلة، ومع المعاملة الانسانية خلال التحقيق، ولكن حاطوم لم يكن مجبرا ان يلعب طوال الوقت دور وكيل دفاع عن طرف في قضية حساسة جدا، طرفها الآخر هم اهالي شهداء الجيش اللبناني، ولم يكن مضطرا كصحافي ان يرمي اسلحته جانبا، ليصبح عمله منحازا. “كان معرضا للتغرير به” يقول حاطوم عن شاكر، وعليه ربما بنى هيكلية حلقاته الثلاث.
ما نريد قوله باختصار يتمحور حصرا حول الاداء المهني. نحن بدورنا لا نحكم على الفنان شاكر بالتورط في كل ما نسب اليه، ولا نرمي الى ادانته بالمطلق، فهذه مهمة القضاء. ولكننا لم نشاهد في الوثائقي سوى توطئة لتنزيه الصورة وعودة الفنان الى الساحة الفنية. لم يعتمد التوازن في عرض وجهات نظر مختلفة ليبقى الحكم للمشاهد. بل ان الوثائقي اصدر حكمه وانتهى الامر!
“حكاية طويلة” حلقات انحرفت عن مسار وثائقيات حاطوم، التي اعتمدت عموما على درجة مهنية متقدمة، وموضوعية في معالجة الاشكاليات. يقول حاطوم في الوثائقي نقلا عن العميد ابراهيم بأن “فضل شاكر اخطأ مرتين: بانجرافه في مشاعره، وبهروبه من العدالة”.
.. ونحن بدورنا نقول بأن حاطوم نفسه أخطأ ايضاً: بانجرافه في مشاعره، وبهروبه من المساجلة!
شاركنا النقاش