القاهرة: دعاء حسن|
مشاعر كثيرة من الحزن والألم تنتاب الجمهور العربي عندما يشاهد الفيلم اللبناني “كفر ناحوم” للمخرجة نادين لبكي الذي حصل علي واحدة من أهم جوائز السينما في العالم وهي جائزة لجنة التحكيم في مهرجان “كان”، ثم وصل إلى قائمة أوسكار أحسن فيلم اجنبي، وهي نجاحات تمثل انتصاراً للسينما العربية، واللبنانية خصوصا.
“كفرناحوم” يعتمد على صدمة المشاهد من الوهلة الأولى، حيث يتناول عددا من القضايا المأساوية كعمالة الأطفال والمشردين وزواج القاصرات وتجارة الخادمات، بالإضافة إلى ربطه بين أطفال الشوارع في لبنان وأطفال اللاجئين الهاربين من جحيم أفريقيا وسوريا والعراق، فضلا عن أن مخرجة الفيلم قررت الاستعانة بأطفال لاجئين غير محترفين، حيث ان بطل الفيلم الطفل زين الرافعي هو في الحقيقة لاجيء سوري فرّ مع أهله إلي لبنان، مما اضفى مزيدا من المصداقية على الفيلم، الذي انطلق عرضه مؤخرا في دور العرض المصرية، ولاقى ترحيبا كبيرا من قبل الصحافيين والنقاد.
“شاشات” التقت بمخرجة الفيلم نادين لبكي للحديث عن الفيلم الذي اثار جدلاً وانتقادات، حيث اتهمه البعض بنشر السوداوية وافتقاد الأمل، فاعترفت لبكي قائلة: “كان هدفي منذ البداية هو أن أصيب المشاهد بصدمة أو ما يشبه الثورة، لأخلق بداخله شعورا بالتقصير، وأجعله يتعايش مع شخصيات مجسدة على شاشة السينما، وهو أمر تعمدت إبرازه عند التصوير بمعنى أن تكون فى قلب المأساة التى هي بالأساس ليست بعيدة عنك، فضلا عن أن الحقيقة أبشع بكثير مما ظهر فى الفيلم، فيكف لي أن أعطى الأمل وهو بالأساس مفقود بين أبطاله؟”
وعن سبب اختيارها لممثلين غير محترفين قالت لبكي: “بالفعل تعمدت ذلك لإضفاء مزيد من المصداقية، فأنا الممثلة الوحيدة في العمل، أما الأطفال فقد تم اختيارهم بشكل خاص من مناطق فقيرة ومن بيئة قريبة من الفيلم، وقد تعرفنا على “زين” فى الشارع، وهو من اللاجئين السوريين حضر للبنان مع اهله منذ 8 سنوات، واسمه الحقيقي هو زين ايضا ورفضت تغيير اسمه في الفيلم”.
وتابعت: أما عن الطفل الرضيع “يونس”، فهو في الحقيقة فتاة تدعى “تريجر” وليس ولدا كما ظهر بالفيلم، ووالدتها كينية الأصل ووالدها نيجيري، وعندما بدأنا التصوير كانوا يعيشون بطريقة غير شرعية بمعنى أنه ليس لديهم أوراق، وهي القضية التي تم طرحها ايضا في الفيلم. والحقيقة ان تفاعل “زين” مع “تريجر” بالأحداث كان لافتاً للنظر، وكانا يتعاملان وكأنهما اشقاء بالفعل. ولا أنكر أن صعوبة كبيرة واجهتني خلال التصوير، وخاصة أنني اتعامل مع طفلين، ولكنني تعاملت مع الأمر كأم وكنت أنجبت ابنتي في فترة متزامنة مع وقت التصوير، لذلك كنت أراها في شخصية “تريجر”، الأمر الذي ساعدني كثير في التعامل معها خلال التصوير .
وعن سبب استعانتها بعدد من المشاهد التسجيلية ضمن أحداث الفيلم، اوضحت لبكي ان الاعتماد على مقاطع التسجيل في الفيلم كان متعمداً، كما أنني قضيت ثلاث سنوات في الإصلاحيات والسجون والشوارع، كنت أنا وفريق العمل نحكي مع الناس، لأنني شعرت بأنه لا يحق لي بأن أنسج الأحداث من وحي خيالي. وبالتأكيد هناك جزء من الخيال في الفيلم، لكن كان لا بد من معايشة حقيقية، حتى الرسومات التي ظهرت على الجدران حقيقية، وكذلك السجناء الذين صورنا معهم بالواقع وغيرها من التفاصيل. كما تعمدت أيضا أن تكون طريقة الإخراج بسيطة للغاية وقريبة، لذلك فنحن صورنا الحقيقة كما هي، وهذه هي كلمة السر في نجاح العمل.
وحول اتهامها بالمتاجرة بقضايا الأطفال لاستعطاف الجمهور الغربي، أكدت أن المشاهد الغربي عايش المأساة ذاتها، ففي أميركا هناك طفل على سبعة أشقاء لا يأخذ حقه حتى في الطعام، وفي الحقيقة أننا حاولنا تخفيف الواقع من حولنا، لأنه أشد قسوة مما اظهرته في الفيلم. ولو عايشنا أسرة زين سنجد كل هذه القضايا مطروحة داخلها، مثل صفقات زواج القاصرات وسجن الاطفال والمتاجرة بالأطفال وغيرها من القضايا البشعة.
وعن كيفية استقبال الجمهور اللبناني للفيلم، قالت لبكي أن الجمهور أعجب به كثيرا، ولكن هناك فئة من الناس رفضوا الاعتراف بوجود هذه المشكلات، لأنهم يرفضون التطلع لعيوب المجتمع او حلها، وهؤلاء لم يتقبلوا الفيلم بالطبع. ولكن الأغلبية أعجبوا به وتأثروا به. وبالمناسبة انا كنت اتوقع ردود فعل سلبية لأن الناس دائما ما يرفضون الاعتراف بوجود كل هذه المشاكل، ودوري استعراضها وليس ايجاد حلول لها. واعتبر “كفرناحوم” جرس إنذار لإيقاظ ضمير العالم، فهو رسالة لكل صاحب ضمير يقظ للنظر للحياة غير الآدمية التي يعيشها هؤلاء، فالفن صوتا لهم، وقد يغير ذلك من أوضاعهم، وهذه هي مهمة السينما، لأنها قوى تنويرية وتوعوية وليست ترفيهية فقط.
وهل يعني ذلك أن الفيلم كان هدفه إثارة تعاطف المشاهد؟ تجيب لبكي: نعم وثورة على الأوضاع السلبية ورفضها، وكأن التعايش مع مثل هذه المشاهد أصبح أمرا طبيعيا. وينبغي علينا باعتبارنا مواطنين مسؤولين فى هذا المجتمع أن ندفع الحكومات والأنظمة لايجاد حل لهؤلاء الأطفال، كي يعيشوا حياة إنسانية.
وأخيرا ما تقييمك للسينما اللبنانية بعد الطفرة التى حدثت خلال السنوات الاخيرة بعد اهتمامها أكثر بالقضايا المجتمعية؟ ترد لبكي: أعتقد ان السينما العربية بشكل عام أصبحت أكثر اهتماما بالواقع الاجتماعي والمشاكل التى تعاني منها الشعوب، وليست السينما اللبنانية فقط، وذلك لأنها تشعر بالمسؤولية بالفعل وبالشذوذ الذي نعيشه. فنحن نعيش في منطقة منكوبة، وصوتنا كفنانين مهم بالتأكيد.. لأنه يعكس هذا الواقع.
شاركنا النقاش