[sam_zone id=1]

ماهر منصور |

طوى المشهد الفني العربي واحدة من صفحاته الفنية الاكثر إثارة وغنى وقيمة، برحيل الفنان عبد الحسين عبد الرضا يوم امس، في احدى مستشفيات لندن، عن عمر يناهز 78 عاماً، بعد تجربة فنية امتدت منذ ستينيات القرن الفائت وحتى العام 2016 ، حين ظهر كبطل احدى حكايات “سيلفي 3” في رمضان الفائت.

القراءة الهادئة للسنوات القليلة الأولى من تجربة النجم الكويتي عبد الحسين عبد الرضا، تشي بأن هذا الأخير كان مشروع فنان متكامل منذ خطواته البكر في الفن، وهو ابن شرعي للمسرح، وتلميذ لواحد من أعمدته، والأهم من ذلك هي الطاقة التمثيلية الكبيرة التي أبداها الشاب عبد الحسين، إذ يمكن بقليل من الحساب، قياساً بعدد الأعمال التي قدمها، أن نكتشف أنه منذ التحق بفرقة المسرح العربي في العام 1961 وحتى العام 1964، لم يمرر يوماً واحداً من تلك الأعوام، دون أن يمارس فيها الفن سواء ممثلاً على خشبة المسرح، أو أمام كاميرا التلفزيون، أو حتى خلف مكتبه كاتباً مسرحياً.

.. وخلال هذه السنوات أيضاً، لم يكن عبد الرضا، يستعجل الشهرة، وإنما كان عمله الدؤوب هذا تعبيراً عن شغفه الكبير بالفن، وهو شغف لم يهدأ طوال أكثر من نصف قرن، هو عمر تجربته الفنية اليوم، رغم تعب قلبه أكثر من مرة.

خلال أكثر من نصف قرن، كان عبد الرضا يؤسس مع بعض من رفاق دربه، لحركة مسرحية لافتة ومتطورة عربياً وخليجياً، ويرسي أسساً لفن انتقادي سياسي واجتماعي ساخر، بدءاً من خشبة المسرح، ولم ينته عند التلفزيون.. ولعله بأسلوبه الانتقادي هذا، استطاع أن يقلب موازيين الكوميديا، ويلاقي مسرح الثنائي (دريد- الماغوط) الشامي، عند تخوم كوميديا الموقف، التي تجترح الضحكة من وسط الألم، ولا تقف مكتوفة الأيدي أمام قضايا محيطها الاجتماعي والسياسي.. وكلا المسرحين: مسرح عبد الرضا، ومسرح (دريد والماغوط)، تبلورا على هذا النحو في منتصف السبعينيات وأوائل ثمانينات القرن الفائت.

كوميديا عبد الرضا كانت تؤلم بمقدار ما تضحك، وما من ضحكة بريئة في كوميدياه…فالضحك هو بداية للكشف والنقد والتحريض نحو الحل..هكذا على الأقل كان عبد الحسين عبد الرضا في “باي باي لندن” للكاتب نبيل بدران والمخرج التونسي المنصف السويسي، إضافة إلى مسرحيات عديدة منها مسرحيته “سيف العرب”.

وعلى النحو ذاته كان عبد الرضا في التلفزيون أيضاً يشهد على ذلك مسلسله الأشهر، “درب الزلق “مع رفاق دربه من نجوم الكويت سعد الفرج وخالد النفيسي وعلى المفيدي.. وهو أول مسلسل خليجي ملون. وسواء في التلفزيون أو المسرح لم يجهد عبد الرضا الضحكة في كوميدياه بثقل المواقف التي حملتها، فكانت الضحكة عفوية بلا تكلف أو تنظير.

وبالبراعة ذاتها التي قدم فيها النجم الكويتي أدواره الكوميدية، قدم عبد الحسين عبد الرضا أدواره التراجيدية. ولعله من الممثلين العرب القلائل الذي استطاع أن يسقط التوقعات المسبقة من الجمهور، ويفاجئه ويقنعه في كل مرة بأدائه، خلافاً لكثير من نجوم الكوميديا العرب، الذين فشلوا في الخروج من دائرة الكوميديا نحو التراجيديا، لعدم قناعة الجمهور بهم خارج فعل الإضحاك. وعبد الرضا، لم يكن ينتقل بين الكوميديا والتراجيديا بعفوية وحسب، بل استطاع أن يقدم تنويعاً كبيراً في الشخصيات التمثيلية التي قدمها، سواء في المسرح أو التلفزيون.

للفنان عبد الحسين عبد الرضا أكثر من 100 عمل بين مسرح وتلفزيون وإذاعة. في المسرح قدم النجم الكويتي عدة أعمال منها: (الكويت سنة 2000)، (حط الطير طار الطير)، (القاضي راضي)، (بني صامت)، (هالو دوللي)،(على هامان يا فرعون)، (باي باي لندن)، (فرسان المناخ)، (فرحة أمة)، (سيف العرب)، (قناص خيطان)، (على الطاير). وقد ساهم مع رفيق دربه سعد الفرج في تأسيس فرقة المسرح الوطني، التي تعد أول فرقة مسرحية خاصة في الكويت، قبل أن يؤسس فرقته الخاصة به “مسرح الفنون” في العام 1984.

في التلفزيون كان مسلسل “يوميات بوعليوي” أول عمل تلفزيوني يقدمه، بعدها قدم عدة مسلسلات، كتب بنفسه عدداً منها. ومن اشهر مسلسلاته في تاريخ الدراما الخليجية حتى اليوم هو “درب الزلق” .. وصولاً إلى مسلسلي “أبو الملايين” و”العافور”، فيما كان آخر ظهور له بطلا لاحدى حكايات”سيلفي 3″ مع الفنان ناصر القصبي.

إلى جانب أعماله التلفزيونية والمسرحية والإذاعية، اشتهر عبد الحسين عبد الرضا بتقديم مجموعة من الأوبريتات. كما خاض تجربة التأليف الغنائي والتلحين والغناء، وظهرت أغنياته وألحانه في أغلبية مسلسلاته التلفزيونية والإذاعية، إضافة إلى بعض أعماله المسرحية، فضلاً عن تلك التي قدمت بشكل منفصل عن أعماله الدرامية، ومنها أغنيتيه الشهيرة “مستر بوش”.
كما قام الفنان عبد الرضا بتأسيس قناة “فنون”، التي تعد أول قناة متخصصة بالكوميديا في الوطن العربي.

وتكشف التجربة الفنية للراحل، ميله الى الشراكات الفنية، منها شراكته مع الفنان المسرحي الكبير سعد الفرج، ومع صديق دربه خالد النفيسي، ومع الفنانة حياة الفهد، ومع الفنانة سعاد العبد الله… ولعل في نجاح هذه الثنائيات وشهرتها الواسعة، مع وجود الفنان عبد الحسين عبد الرضا كقاسم مشترك بينها، ما يؤكد فرادة المشروع الفني للفنان الكويتي، وإخلاصه لفكرة الفن ومتطلباته دون أنانية أو احتكار.

عموما كان مشروع عبد الحسين عبد الرضا، بمجمله، ينشد ما هو أكبر من الحصول على رضا آني من قبل الجمهور، أو تحقيق نجومية ونجاحات فنية سريعة وفردية، وإنما كان همه تقديم فن راق، يأخذ دوره الطبيعي في توعية المجتمع، على أن يبقى محافظاً على متعة الفرجة فيه.. ولعل ذلك كان السبب الرئيسي الذي دفع الرجل ليخوض تجربة الإنتاج بنفسه، إلى جانب التمثيل والكتابة. ويؤسس “شركة مركز الفنون للإنتاج الفني والتوزيع” في العام 1989.

التجربة برمتها، جعلت الفنان الكويتي عبد الحسين عبد الرضا، ومنذ وقت مبكر، فناناً بمرتبة مدير تنفيذي، يحرص في كل عمل فني يشارك فيه، على أن يكون الحارس الأمين عليه، بدءاً من الفكرة على الورق، وحتى وصولها إلى الناس.. لذلك كتب ومثل وغنى وأنتج وعرض.

في هذا المقال

شاركنا النقاش