فاتن قبيسي|
استطاعت الفنانة نانسي عجرم ان “تغرد” أغنيتها “الى بيروت الانثى” خارج السرب. ان تخرج عن القوالب الجاهزة للاغنيات الوطنية، والمتماهية بمعظمها في ما بينها. لم تعمد الى مجرد ركوب الموجة، حيث فنانون كثر يقدمون لبلدهم اغنياتهم الوطنية من وحي مصاب يلم به، او جرح يصيبه.
بيروت تنزف هذه الايام، والكل سارع الى “اغاثتها” بأغنية، قدم لها عربون محبة، او ربما توكيدا على “الوطنية”. تتكدس الاغاني غالبا، ولا اثر لها في الوجدان. اما نانسي عجرم فقد تمكنت من لمس الوجدان، و”نكىء” الحب المدفون عميقا فينا لعاصمتنا الجميلة.
فقد اصبحنا ننسى ان نحب مدينتنا، ومشاعرنا مزيج من الخوف منها وعليها في آن. ولكن كلام نزار قباني حرّك القعر فينا، فاذا بالعشق الدفين لها يثور على الغضب الآني والالم.
نزار قباني الشاعر الكبير هو من افضل من عايش بيروت، واحبها وفهمها وتفهّمها بكل اطوارها، حوّلها الى ابيات وقصائد مغناة، وليس افضل من ان تختار عجرم من بين كلماته ما تهديه الى بيروت اليوم. هدية مغلّفة بلحن رائع لهشام بولس، وتوزيع موفّق جدا لباسم رزق. وصوت عجرم وأداؤها المرهف والرقيق شكلا جواز عبور انسيابي للأغنية.. نحو القلب.
الأغنية أصابت الوتر، وأعادت الاعتبار الى الكلمة المغناة في زمن الاستسهال، وأجواء الكليب للمخرج سمير سرياني غير متكلفة، وغير معقدة البتة، صورت مشاهده في منزل عائلي، ينوي أحد ابنائه الهجرة. ورسالته ذيلت بعبارة “الى من وما يجبرنا على الرحيل.. سنعود”. امتزجت الدراما بالأغنية، العامية بالفصحى، الحوار التمثيلي بالأبيات الشعرية، والبساطة بالعمق..
في أغنية “الى بيروت الأنثى” ثمة رسالة ربما الى الطبقة السياسية التي تمعن خرابا في البلد: “كُلُّ مَا يَطلُبُهُ لُبنَانُ مِنكُم أَن تُحِبُّوهُ قَلِيلاَ”. وايضا رسالة الى الناس بان لا تتركوا البلد وعاصمته برغم كل الوجع والإحباط… الا تقول الأغنية: “إِنَّ كَوناً لَيسَ لُبنَانُ فِيهِ سَوفَ يَبقَى عَدَماً أَو مُستَحِيلاَ..؟
- يذكر ان “إلى بيروت الأنثى” طرحتها نانسي عجرم امس على قناتها الرسمية على موقع “يوتيوب”، وهي مأخوذة من قصيدة “إلى بيروت الأنثى، مع الاعتذار” التي قدمها نزار قباني في اوائل الثمانينيات. وقد تخطت الاغنية بعد ساعات قليلة ربع مليون مشاهدة.
شاركنا النقاش