سامر محمد اسماعيل|
وداعاً كلمة لا تعبر عن عصر سينمائي لوح لنا وغاب أمس الأول، منهياً قرابة اثنتين وتسعين عاماً قضى جورج نصر (طرابلس- 1927) ما يقارب نصفها في عمله السينمائي، منجزاً بعد دراسته للسينما في هوليوود ثلاثة أفلام ستبقى خالدة في وجدان عشاق الفن السابع. لعل أولها كان بعنوان “إلى أين- 1956” الشريط الروائي الطويل الذي تصدى فيه هذا الفنان الطليعي لمسألة هجرة أبناء بلده إلى البرازيل وأميركا، ليحمل الفيلم هماً وطنياً جعله فيما بعد يعتبر عراباً لسينما لبنانية، وصلت بفضل هذا المبدع مبكراً إلى مهرجان “كان” الدولي، متسمةً بسيناريو متماسك ولغة بصرية عالية.
السينماتوغرافيا لهذا المخرج لم تكن غزيرة في إنتاجها، حيث لم يتأخر شريطه الروائي الثاني “الغريب الصغير” والذي قدمه نصر باللغة الفرنسية، مُبعداً عنه شبح السينما العربية ذات البعد التجاري، ولكن دونما حجم النجاح الذي ظل لتجربته الأولى، لتأتي تجربته الثالثة بعنوان “المطلوب رجل واحد” والذي قُدم باللهجتين السورية واللبنانية والآرامية، بعد أن تصدت نقابة الفنانين في سوريا لإنتاجه، لكنه أيضاً لم يرق لمستوى فيلميه السابقين.
يبقى جورج نصر ريادياً من مقام مختلف، حيث لم ينسَق إلى موجة شباك التذاكر التي كانت سائدة مطلع الستينيات والسبعينيات في كل من سوريا ولبنان ومصر، بل عمل على أن يكون تياراً خاصاً بنظرته المثقفة لفن السينما، ووظيفة هذا الفن في تسجيل وثيقة عن الوطن اللبناني، نحو شخصية جامعة لطالما حاول هذا المبدع الخاص ترويجها وتكريسها في محافل ومهرجانات السينما الدولية، متخذاً من نموذج السينما الأوروبية مخيلة له، لا سيما أفلام الموجة الجديدة في فرنسا. اذ لا يخفى على أحد تأثر المخرج اللبناني العالمي بصعود نجم المخرج فرانسوا تروفو مع فيلمه الأول: “الأربعمائة ضربة”، الحد الذي حين يبلغه قلب الإنسان الناضج في الدقيقة يصل إلى حتفه. قلب نصر ورغم وصوله هذا الحد ظل يخفق على آلات عرض الأفلام، وفي الصالات التي أضاءها بروحه ومخيلته وشغفه غير المسبوق لتأسيس سينما لبنانية بعيدة عن مزاج السوق وأفلام الهواة.
شاركنا النقاش