فاتن قبيسي|
بعيدا عن الأساليب التقليدية، أطلت مؤخرا شخصية “مكرورة” عبر “الاخبار من عندك” على محطة “LBCI”، لايصال قضية هي من اهم القضايا التي تتنباها جمعية “كفى”.
التحرش وأسبابه ومبرراته وتداعياته النفسية والاجتماعية على ضحاياه من السيدات، تختصرها ثلاثة مقاطع فيديو قصيرة بطلتها الدمية “مكرورة”، اطلقتها “كفى” عبر صفحتها على “فايسبوك”، ويتم التداول بها بكثرة عبر “السوشيل ميديا”، كجرس انذار، كصرخة وجع، كدعوة لمحاربة هذه الظاهرة المرَضية، التي تبدأ لفظيا وتنتهي احيانا بانتهاك الجسد.
بذكاء.. تم اختيار دمية متحركة لايصال قضية حساسة الى الرأي العام. فالاستعانة بسيدات يروين تجاربهن مع التحرش أمر قد ينطوي على الإحراج احيانا، كما على الاستهلاك ايضا. ثم ان الفكرة هنا اقوى من الشخصنة، والرسالة تتجاوز الهوية او الصفة الاجتماعية لأي امرأة.
وفكرة انضمام وجهين معروفين الى الحملة، وهما الفنانان بديع ابو شقرا واندريه ناكوزي فكرة موفقة تساعد على مستوى الترويج والتأثير في الرأي العام.
الحملة في هذا الاطار اعتمدت منهجية مدروسة بعيدا عن النمطية المعتمدة احيانا لايصال قضايا النساء، والهدف هنا مزدوج: الرأي العام والمسؤولين في آن. فهي دعوة لمحاربة عقلية التحرش لدى العموم، ولتشريع قانون تجريم التحرش من قبل مجلس النواب، بعد احالة مشروع القانون اليه من قبل الحكومة في 6 آذار العام 2017.
ولعل الانطلاق من اختيار الدمية كأداة للحملة، وهي فكرة الفنان بديع ابو شقرا، الذي سبق له التعاون مع جمعية “كفى”، استثمرته الكاتبة والمخرجة فرح شيا على نحو لافت من خلال مضمون واخراج مشغوليْن. فجاءت شخصية “مكرورة” التي تعاني من التحرش بأشكاله الثلاثة، اللفظي ، والاعتداء، وصولا الى الاغتصاب، شخصية واقعية، ولكنها ترتكز على بعد رمزي. اذ تكرّ خيطان ثوبها بشكل تدريجي في كل مرحلة من المراحل الثلاث، لتصل مع الاعتداء الجنسي الاخير الى اقتصار الدمية على الرأس فقط، وذلك في دلالة مجازية الى انتهاك جسدها وروحها، وخسارتها كيانها بالمطلق.
ثمة أمر آخر يبدو لافتا ايضا: عبارات التبرير التي يطلقها الناس لتبربر الفعل والفاعل ولاتهام الضحية نفسها. من مثل: “الله يساعد اللي عنده بنات”، “البنات بلوة”. “هي الحق عيها.. لشو تلبس هيك وتتمختر.. خليها تنضب وتتجوز”. والاكثر ايلاما هو ان عبارات التبربر تأتي على لسان الضحية نفسها احيانا من مثل: “لو كنت شاب ما كنت اعتلت هم”.. “الحق عليّ ما كان لازم رد عليه”…..هذه العبارات المستخدمة في الفيديوهات تعكس الخلفية الاجتماعية التي تجعل التحرش امرا واقعا في بلادنا، وتمنع المتعرضات له من الاحتكام الى الجهات المختصة.
فيديوهات ثلاثة اختلط فيها فن الدراما بالواقعية، الترميز بالمباشر، سيناريو تمثيلي (بين دميتين) بالحوار (بين الدمية والفنان). دقائق لكنها مكثفة، مع الخلاصات التي ذيلت بها على لسان بديع واندريه: “التحرش فعل مؤذٍ ويجب تجريمه”، “مش كل تحرش نهايتو اعتداء.. بس كل اعتداء ببلش بتحرش”، و”عدم تجريم التحرش بشجع عالاغتصاب”. عبارات تختصر الكثير من الشرح والتنظير .. بل ومؤتمرات تعقد احيانا لهذا الهدف.
“مكرورة” شخصية معنوية تتحدث باسم اللواتي تعرضن للتحرش. تقود الحملة باسمهن. وهي التي استهلت زياراتها الى المسؤولين بزيارة وزير الدولة لشؤون المرأة جان اوغاسبيان، في اطار السعي لاقرار مشروع قانون تجريم التحرش الجنسي، على ان تتابع جولتها لاحقا لتشمل عددا من المسؤولين.
“مكرورة” شخصية مصنوعة من القماش والخيطان، تمكنت من ملامسة روح القضية، فقدمت مضمونا محبوكا، وشكلا منسوجا بحجم هدف، يعكس تطلعات نساء.. وايضا رجال.. كثر.
شاركنا النقاش