ماهر منصور|
يتصرف القائمون على إنتاج مسلسل “باب الحارة” كما لو أن مسلسلهم قطعة حلوى، والممثلون والجمهور أطفال تلتصق وجوههم بزجاج واجهتها لتحدق إليها بلهفة. أما منتقدي العمل فهم برأيهم مجرد أعداء نجاح، ولن توقف اعتراضاتهم قافلة المسلسل الذي ننتظر إنتاج جزئه العاشر في رمضان 2018، وفق ما أفضى إليه اتفاق صلح على أبوة المسلسل، بين شركة ميسلون (بسام الملا) وشركة قبنض.
جزء بعد آخر كرس المسلسل حضوره بوصفه نسخة تاريخية مشوهة لتاريخ سوريا، في مقاومة الانتداب الفرنسي، تبني حكايتها على ترتيب أحداث تصلح للإسقاط على الواقع. وبحثاً عن هذه الإسقاطات كان العمل يمضي وسط أفخاخ كثيرة تهدده بعدم الإقناع، وهو السيناريو الذي يتكرر في كل جزء جديد من اجزائه. والنتيجة قائمة طويلة من المظاهر المطلوب تصحيحها في المسلسل عن الشام وتاريخها.
لكن المسلسل بالغ في منكهاته وبهاراته التسويقية حتى سبق السيف العذل، ولم يعد من المجدي رصد قبيلة من المؤلفين والمخرجين لتصحيح حاله، كما يحدث في الجزء التاسع الذي يعرض في رمضان الحالي. ويرد فيه أسماء ثلاثة كتاب، من دون أن يذكر ذلك صراحة، وإلى جانبهم اسماء ثلاثة مخرجين أيضاً تحت مسميات مختلفة…من دون أن يستطع هؤلاء تصحيح شيئاً من الصورة.
لندع الكلام عما أفسده الدهر وقد باتت انتقادتنا عاجزة عن إصلاحه، ولنتكلم بالمنطق الفني، بغض النظر عن المغالطات التاريخية.
فنياً يعاني العمل بالتصور الجديد لعدد من شخصياته من حالة انقطاع مع تاريخ تلك الشخصيات واتجاهاتها الفكرية وسلوكها، الذي لا يشبه ما يريد لها في كل جزء جديد أن تكون عليه أو تتعامل معه. فتبدو في كل منحى جديد للحكاية كما لو أنها تولد من جديد. لننظر، على سبيل المثال، الى تحولات “عصام” و”معتز” اللذين كانا يجزعان فقط لمجرد وقوف أبي بدر على سطح بيته، كيف بات عادياً أن تطل أختهما دلال على كل الناس وتخرج للعمل..؟ هل يمكن أن نقول أن ذلك صدى لتطور فكري طرأ على الأخوين؟ حسناً، ولكن ما بال هذا التطور ينال من سلوكهما في جانب، ويتركهما في جوانب عديدة ، هل السلوك والوعي قابل للتجزئة..؟!
أين الخط الرئيسي للحكاية الذي يتصاعد في العمل حتى يبلغ ذروته، ويتقاطع مع خطوط فرعية تتفاعل معه، وتروي أحداثها في آن معاً..؟!
أي صراع تخوضه شخصيات العمل، وأي حبكة فيه يمكن أن نتحدث عنها؟ ولماذا يحلق الخط الكوميدي في العمل وحيداً بمعزل عن الحكاية، كما لو أنه في عالم درامي آخر…؟!
ماذا عن الحوار، أي دور له في دفع الأحداث ورفع حجة الصراع فيها، ألا تبدو الثرثرة العنوان الأبرز للحوار في العمل..؟!
باختصار كل ما يحدث بالعمل وسيحدث بالفعل، هو لي عنق النص والمنطق الدرامي لخدمة أهدف بعينها، يقع الشرط الفني في ذيلها، إن وجد له مكاناً بينها بالأصل.
شاركنا النقاش