دمشق: آمنة ملحم|
لم يستطع المخرج عبد اللطيف عبد الحميد تمالك نفسه أمام أعين الجمهور، فغلبته دموعه خلال تقديمه لتجربته السينمائية الجديدة “الطريق” الذي بدأ تصويره بعد أسبوع واحد من رحيل شريكة حياته الزوجية والفنية “لاريسا عبد الحميد”، فكانت افتتاحية شارة الفيلم وختامها مكللة بإهداء الفيلم لروحها.
ولكنه لم يكن الوداع الأخير في هذه الرحلة على حد تعبيره، بل ودع ايضاً شريكه في كتابة الفيلم “عادل محمود” قبل أن يتشاركا شعور السعادة بفوزه بجائزة أفضل سيناريو في “مهرجان قرطاج السينمائي بدورته ٣٣” مؤخراً. ولم تكن تلك الجائزة الوحيدة، بل نال الفيلم جائزتي أفضل ممثل حصدها بطله الفنان موفق الأحمد، وجائزة الجمهور أيضا في نفس المهرجان.
وعلى نقيض تلك الغصة التي افتتح بها المخرج عبد الحميد العرض الخاص للفيلم الذي أنتجته “المؤسسة العامة للسينما” في أوبرا دمشق، قبيل انطلاق عروضه الجماهيرية، جاءت حكايته المفعمة بالحب والبسمة، ولم يكن ذلك غريبا على المخرج عبد الحميد الذي لطالما برع في تحميل حكاياته بكوميديا الموقف مع بث رسائل إنسانية، فتأتي بسيطة من نمط السهل الممتنع، حيث نرى الحكاية عادية، ولكن اسلوبها وتفاصيلها يرفدانها بالجاذبية والعفوية والصدق الذي يحفر أثره بقوة.
في “الطريق” موعد مع رحلة حياة ما بين جيلين يمثلهما الجد “صالح” (موفق الأحمد)، والحفيد “صالح” (الطفل غيث ضاهر). فمن حكمة الجد المتقاعد من التدريس في الجامعة واختياره بعدها للضيعة مستقرا له، إلى بساطة وبراءة الحفيد الذي حرمته الحياة من أمه، فهرب من ظلم زوجة أبيه “يونس” (ماجد عيسى) الى حضن الجد. ولكن رسالة من إدارة مدرسته “الفارابي” تصل للجد وتصف الفتى (وهو في الصف “السابع” الإعدادي) بالغباء، وأنه غير قابل للتعلم في صفوفها، تكون كفيلة بتغيير رحلة حياة الجد والطفل معاً، عبر قرار يتخذه الجد بالسير على خطى والدة “توماس أديسون” في تعامله مع حفيده. فيتحلى بالحكمة والصبر والتضحية المكللة بالمحبة، ولا يوفر جهدا لتعليمه مختلف علوم الحياة، بالابتعاد الكلي عن التلقين. وهنا نجد الحكاية تنحاز لضرورة التعلم بما يحمل المتعة والبساطة كطريق للنجاح، وأن “السالب بعد ضربه بالسالب يعطي نتيجة إيجابية فلا تيأس”، وفق ما قدم مدرس الرياضيات في الفيلم لـ”صالح”، تحت عنوان “علمتني الرياضيات”.
الجد “صالح” اجتهد في جعل حفيده يرصد “الطريق” من أمام منزلهما الريفي البسيط، لتحقيق مقاصد عدة. فمن كتابة الحفيد “صالح” لما يدور حوله وتصحيح الجد لأخطائه النحوية، ومراقبته لأهل الضيعة وتعلمه لأساليب التعامل مع المحيط، ومرور الفيلم على أسماء شعراء عبر شخصية الشاعر “أحمد كنعان” الذي يمر يوميا على الطريق مرددا أشعارا لسعيد عقل، وعمر أبو ريشة ، وصولاً الى اختيار الجد لأساتذة تبسط المواد الدرسية وتقدمها بسلاسة.. من خلال كل ذلك، رأينا “صالح” يحصد نتائج تخوله للعودة للضيعة طبيباً للأعصاب.
“الطريق” حكاية للعائلة طرحها عبد الحميد بإطار مجتمعي إنساني فلسفي عميق، وأبعاد تربوية تعكس خبرات حياتية مقدماً معلومات علمية وفلسفية ولغوية بطزاجة اللغة السينمائية وبساطة الطرح، واختيار البيئة الريفية التي زادت من جمالية الصورة وشفافية الحكاية، ولم يوفر عبد الحميد جهدا في الدعوة إلى المحبة عبر شخوص الفيلم، لاسيما شخصية أم صالح بالرضاعة “أم جميل” (تماضر غانم)، وفي بث ايفيهات مضحكة مدت الحكاية بروح النكتة والطرافة مع شخصية الرجل الذي يمر يوميا ساردا حكايته مع معاناته من البواسير (مأمون الخطيب)، ومقاتلي الضيعة المهزومين على الدوام بقيادة “محمد شما”.
ولم تغب حكايات الحب عن “طريق” عبد الحميد، ولكنها تجسدت هذه المرة بحب المراهقة بين الحفيد “صالح” وصديقة المدرسة إلهام (رند عباس) في الطفولة، وراما الزين في الشباب، ومع تلك الحكاية تنتهي رحلة الطريق منتصرة للحب.
الأداء الصادق المتقن للفنان موفق الأحمد وثنائيته مع الطفل غيث ضاهر، شكلا حاملا رئيسيا لرحلة “الطريق” الذي قدم موهبة جديدة للسينما السورية، فبرع ضاهر بالأداء. وكان للموسيقى الهادئة التي قدمها خالد رزق لترافق الحكاية دورها في العبور من الطبيعة إلى قلب الجمهور.
العروض الجماهيرية للفيلم ستنطلق وفق تصريح المخرج عبد الحميد خلال عشرة أيام في دور السينما السورية بمختلف المحافظات، متمنيا أن تحظى رحلته الموجهة للعائلة ككل وحتى للطفل وفق تعبيره بالقبول من الجمهور.
الفيلم بطولة: موفق الأحمد، غيث ضاهر ، مأمون الخطيب، محمد شمّا، أحمد كنعان، رند عباس، تماضر غانم، ماجد عيسى، نبراس ملحم، عدنان عربيني، راما الزين، علاء زهر الدين، هاشم غزال وخالد رزق.
شاركنا النقاش