دمشق: آمنة ملحم|
تتنوع الأعمال الدرامية السورية هذا الموسم 2022 بين الاجتماعي والكوميدي و”البيئة الشامية”. وكل حكاية حيكت بعيدا عن نسيج الأخرى، وتناولت نماذج مجتمعية مختلفة لتتصاعد الحكايا باتجاه عوالم الفساد من جهة، وتذهب باتجاه الدراما الخفيفة والاستعراضية أحيانا من جهة أخرى.
ورغم هذا التلوين الدرامي هذا الموسم، يبدو أن الكتاب اتفقوا دون أن يتفقوا على طرح نماذج عدة “لبنات الليل” و “الراقصات” في مسلسلاتهم، وكأن الراقصة جزء أساسي من المجتمع لا يمكن التخلي عنه في الحكايا، بينما ببساطة تغيب فئات مجتمعية كثيرة عنها، فهل باتت هذه الشخصية لازمة درامية؟
“حوازيق”
وإذا استعرضنا سريعاً أدوار الراقصات في الدراما، نرى أن بعضها جاء مثيراً للاستغراب مع صعوبة تفسير الرسالة من ظهورها، أو حتى غيابها أصلاً. فما معنى أن ترقص “طبيبة أعصاب” في مسلسل “حوازيق” مع أيمن رضا الذي حل ضيفا على العمل، بداعي أن الرقص هوايتها، فترتدي بدلة رقص وترافق الفنان “أنس حلمي” (ايمن رضا). وهكذا بكل فجاجة طرح نموذج الطبيبة الراقصة في العمل، التي تنهي وصلتها الراقصة لتعود إلى مناوبتها في المستشفى صباحا !
“على قيد الحب”
وبعيدا عن الهواية، تظهر الراقصة “فاتنة” (نور الوزير) في مسلسل “على قيد الحب”، لتؤكد أنها ليست ابنة ليل رغم ممارستها لذلك، فهي تريد فقط على حد تعبيرها أن تعيل أخوتها، لنراها فيما بعد تعجب “الحاج ناظم” (جرجس جبارة) الذي يصر على طلبها للزواج، في محاولة لإظهار “الراقصة” كضحية للفقر والمجتمع.
كسر عضم
وفي ذات السياق، وبالانتقال إلى مسلسل “كسر عضم” الذي يخصص لبنات الليل حكايا عدة، تروي “نهى” (نانسي خوري) وهي معتزّة بصراحتها حكايتها أمام “يارا” (ولاء عزام)، بأنها “بنت ليل”. هكذا وبهذه الجرأة وبلا اكتراث، تردد “نهى” مرات عدة على مسمع “يارا”، وعلى درج البناية التي تقطنها، بأنها “بنت ليل”، ولكن ليس بالضرورة أن تكون ساقطة أخلاقياً”. اما المفاجأة فهي باختيار كاتب العمل لحكاية “نهى” على أنها خريجة كلية الأدب الانكليزي الهاربة من محاولة أهلها تزوجيها غصباً من رجل يكبرها سناً، وعندما رماها الحال في الشام وباتت عاجزة عن تأمين متطلبات الحياة، احترفت المهنة وباتت “هي من تلحق الرجال وليس هم”.
يستمر الكاتب علي الصالح في التركيز على سقطات الشابات الجامعيات مع “نهى”، التي جاءت حكايتها بعد حكاية “يمنى” (نور علي) التي أصيبت بالإيدز في المدينة الجامعية بدمشق، نتيجة اصطيادها من قبل شبكة دعارة كاملة تدار بالتعاون مع فتيات جامعيات أيضا في السكن.
ربما قد نفهم بأن حكاية “يمنى” هي محاولة للإضاءة على حكايا يمكن أن تمر في المدينة الجامعية بغياب الأهل واستقلال شابات بأول عمرهن داخل العاصمة من باب التوعية، ولكن استمرار طرح هذا النموذج المجتمعي وإلصاقه بالجامعيات يبدو غير مقبول.
جوقة عزيزة
ويفرد مسلسل “جوقة عزيزة” صفحات كاملة لحياة الراقصات و”بنات الهوى” في شارع المرقص بالشام، ويطرح “عزيزة” (نسرين طافش) بطلة العمل كنموذج فني يسطو على الغير بالإستعراض. وبدلاً من الانحياز للفن الملتزم آنذاك، يرفع العمل من شأن “الراقصة” التي ورثت الرقص والاستعراض عن والدتها “نوكة”، ويبرزها كنموذج لصعود الفن في الشام والذي غرضه البهجة، وفق ما تقوله “عزيزة” في أحد المشاهد، مع تجاهل ما تقوله هي نفسها: “اسمي عزيزة خوخة.. والخوخة لشو.. للدوخة”.
فهل هذا هو الترفيه؟ وهل هكذا نشأت الفنون بشكلها الحديث في بلادنا؟
مع وقف التنفيذ
ويبقى مسلسل” مع وقف التنفيذ” الأقل تركيزا على الراقصات، ولكنه لم يخلُ أيضا من مشاهد للرقص مع رفض “عتاب” (صفاء سلطان) الغناء في أحد السهرات، ليجد زوجها (جلال شموط) نفسه في ورطة بعد حضور الجمهور للحفل، فيستعيض عنها براقصة ليمرر الليلة. بينما يسلط العمل الضوء عبر شخصية “فوزان” (عباس النوري) على استغلال الأب لبناته بتزويجهن ومن ثم تطليقهن، بعد تحصيل ما يمكن تحصيله من الزوج المخدوع، وهو ما دفع “هاشم” (فادي صبيح) لإثارة فضيحة له أمام أهل الحارة وتسميته “بالقواد”. ولكن مصائر تلك الشخصيات لا تزال رهن الأحداث المتصاعدة.
هكذا خصصت دراما رمضان 2022 مساحات منها لحكايا الراقصات وبنات الليل، والتي بدت وكأنها محاولات للفت الأنظار، من دون معالجة درامية شافية لهذه النماذج كي لا تسير الدراما بعكس غاياتها في تجميل الجميل وتقبيح القبيح وليس العكس.
نرشح لك:
“على قيد الحب”: الأسرة بأبهى صورة على مائدة رمضان
شاركنا النقاش