فاتن قبيسي|
يصعب التصديق ان زلة لسان الفنانة شيرين عبد الوهاب تسببت بكل تلك العاصفة في مصر. وهي عاصفة بدأت منذ حوالى شهر. ولكن رياحها تجددت منذ يومين مع اصدار نقابة الموسيقيين قرارا بمنعها عن الغناء في مصر لشهرين. وذلك بدءا من تاريخ قرار ايقافها منذ شهر، لينتهي مفعوله في 14 كانون الثاني المقبل.
ويأتي هذا القرار بعد ان كانت النقابة هددتها بشطب اسمها على لائحتها، وبعدما خضعت للتحقيق من قبل لجنة الشؤون القانونية في النقابة، وبعد ان قدمت اعتذارها لها وللشعب المصري، كما انها اعتذرت مرارا عبر “تويتر” قائلة: “اخطائي ساذجة”.
هكذا جاء قرار “تأديب” شيرين على غلطتها بحق نهر النيل بمفعول رجعي. اذ نُبش مقطع فيديو من حفلة أحيتها منذ عام في الشارقة.ردت فيه على معجبة طلبت منها أغنية “ماشربتش من نيلها”، قائلة: “هيجيلك بلهارسيا”. ومن يشاهد المقطع يعرف جيدا بانها قالتها من باب الدعابة.. وربما الخفة. ولكن من المؤكد ان لا نوايا لديها بتشويه صورة الوطن.. كما اتهمها البعض!
استُخدم في الهجوم الذي تعرضت له شيرين كل الأسلحة، الخفيفة منها والثقيلة.فقد استنفرت نقابة الموسيقيين، ونقابة الإعلاميين، فيما تقدم المحامي سمير صبري ببلاغ للنائب العام ضدها. وشن بعض المصريين حملة ضدها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبين بمقاطعة أغانيها.
والأكثر من ذلك، تفجرت مواهب الإعلاميين في القاهرة، وراحت بعض البرامج النلفزيونية، تستنكر وتستهول ما خرج من لسان الفنانة المصرية، مناشدين عدم تمرير عبارتها من دون عقاب. فالاعلامية لميس الحديدي على سبيل المثال هاجمتها بقوة، في برنامجها “هنا العاصمة” عبر “سي بي سي” معلنة انها ترفض اعتذارها، مستخفة بقرار منعها من الغناء في مصر لتطالب “باتخاذ قرار حاسم تجاهها”. حتى ان وزارة الصحة أصدرت تقريرا يتضمن أرقاما حول مرض البلهارسيا في مصر، كمن يطلق رصاصة بوجه شيرين. وعليه، تحولت الفنانة المصرية الى “منبوذة”، تارة لا تستحق الانتماء الى بلدها، وطورا تضر بالسياحة وتحرم الدولة من عائدات كبيرة في هذا المجال!
ظهرت القضية وكأنها قضية امن قومي. وهذه المغالاة في التعاطي مع الموضوع، ربما سببها تكرار شيرين لهفواتها، وتكرار اعتذاراتها. من هنا يتم الاستخفاف بمواقفها، وبالتالي تم مؤخرا استضعافها في الحملة التي شنت عليها. فهي ببساطة لا تملك شخصية قوية لتضع الأمور في نصابها، بل انها سرعان ما “ترفع العشرة” عند كل زلة، وتغالي في طلب العفو.. والرحمة!
انها ببساطة اقرب الى الطفلة. وهذا يبدو جليا من خلال عدم تحكمها برود افعالها غالبا. تتصرف بعفوية غير محسوبة. كأن تخبر جمهورها في تونس بان ابنتها خلطت بين كلمتي تونس وبقدونس. ما اثار استياء التونسيين والمصريين. فهي تتحول بالحديث عن طفلتها الى طفلة مثلها. لا يعني ذلك تبريرا لهفواتها، وخاصة انها فنانة يجب ان تمثل بلدها خير تمثيل، بل انها أخطأت واساءت التعبير، ولكن الاعتراف بالخطأ فضيلة، فكيف بالاعتذار عنه؟
وبسبب تلقائيتها، ثمة من يحصي اخطاءها. تماما كما فعل من “نبش” وسرب مقطع الفيديو بعد عام على تصويره. وهو فيديو مقتطع من حفل، استغرقت فيه شيرين بالحديث امام جمهورها عن حبها لمصر وفخرها بانتمائها اليها. ولكن هذا الجزء تم طمسه، ليشهر السيف في وجه من اطلق نكتة او زلة لسان بحق نهر النيل!
لم يكن قرار النقابة في محله بعد مرور شهر على الازمة المفتعلة. فعقاب شيرين الحقيقي هو “مفاعيل “سذاجتها عليها شخصيا. فهي لا تحسن، كغيرها من الفنانين، تلميع صورتها. بل انها تسيء الى نفسها أولا بلا قصد، والى صورتها امام جمهورها. اليس في ذلك عقابا كافيا لها؟
هكذا تغدو غلطة شيرين بمثابة جنحة يجب جرها بسببها الى التحقيق، واحالتها الى النيابة. فقرار النقابة بحقها لا يشفي الغليل، طالما انها اهانت البلد! ولكن ماذا عن البرامج التلفزيونية التي تنتقد فساد الزعماء، وتلوث المياه والغذاء، وانتشار النفايات وتفشي الامراض والاوبئة؟ فالحديدي نفسها طالبت احد ضيوفها في موقع المسؤولية مؤخرا، لم النفايات المنتشرة بكثرة في شوارع مصر؟ هل نتهمها بانها تسيء الى بلدها والى سياحته؟!
واذا كان يفترض بها الا تتطرق الى وضع النيل علنا وخارج بلادها، حرصا على صورة مصر، كما يعتقد البعض، الا ان ذلك لا ينفي حقيقة ان النيل ما زال تحت العلاج، كما أفادت وزارة الصحة، الشهر الماضي، بتأكيدها ان نسبة المصابين بالبلهارسيا أصبحت ضعيفة جدا، وانها دشنت حملة لتأكيد القضاء عليه نهائيا بحلول العام 2020. فلما كل هذه المبالغة في الهجوم على شيرين؟
(نقلا عن “الاتحاد”)
شاركنا النقاش