فاتن قبيسي|
بدأ مسلسل “نقطة انتهى” مبشّراً بحكاية مشوقة، واعداً بمفاجآت سردية، وذلك بعيْد قتل “فارس” (عابد فهد) بطريقة غير متعمدة لقريبه وشقيق زوجته. شاهدنا في الحلقات الاولى مشاهد نجح فيها عابد فهد في تظهير انفعالاته، وهو يتخبط بين الهلع والندم والخوف من الآتي. بكى بحرقة، تخبط، اصابه الذهول والشرود عن اقرب الناس اليه، زوجته (ندى ابو فرحات).
لكن ما تلا ذلك من أحداث دخل في الرتابة. مافيات في مواجهة بعضها البعض، تهريب مخدرات، وصراع على السلطة ومنصب الوزير. حلقة مفرغة يتصارع فيها رجال المافيات، ثمة من يطعن هذا في الظهر، وآخر ينقل البارود من كتف الى كتف، وثالث يغدر بزعيمه..انها عملية اعادة تموضع مستمرة بين ابطال العمل، في اطار القضية المتناولة وهي الفساد السياسي..
المقولة الاساس كان يمكن لها ان تصل بأقل عدد ممكن من الحلقات. الإسهاب في شرح الفكرة، من خلال اعادة توزيع الأدوار بين رجال المافيات، سلبها الجذب وأوقعها في المراوحة. كما اوقع معظم الممثلين في رتابة الأداء، مثل عادل كرم الذي قدم أداء بارداً ورتيباً، لم يكسره حتى تلقي خبر قتل شقيقه، حيث جاءت ردة فعله خالية من الحد الادنى للتأثر، كمن يستمع الى نشرة الطقس. كذلك كانت ردة فعل والدته (منى كريم) لدى سماع الخبر ذاته، حيث قدمت مشهداً خالياً من التفاعل.
معظم الممثلين كانوا اهم من العمل، النص لم ينصفهم، فالشخصيات لم تشهد انعطافات هامة او تطوراً يذكر بما يسمح لهم بتنوع الأداء . مثل ندى ابو فرحات (كرمى) التي لم تنصفها الشخصية، وانس طيارة (“غزوان”) الذي من الواضح انه “اشتغل” بشكل احترافي على الشخصية، ونجح في اظهار الكم الهائل من غضبه المكبوت والمظلومية الدفينة في سلوكه الاجرامي الذي يقوم به بدم بارد. لفت الانظار في الحلقات الاولى وفرض نفسه بقوة. ولكن بعدها قدم غالباً أداء “مونوتونياً” بسبب طبيعة النص.
أضف الى ذلك، تعتيم الصورة بشكل مبالغ به (المشهد احيانا غير مرئي)، اعتقاداً بأن اخفات الاضاءة الى هذا الحد إنما يتلائم مع سوداوية الاحداث.
وفي الإنتقال الى التفاصيل، فثمة أسئلة هنا من قبيل:
-كيف يمكن لـ”فارس” أن يسحب جثة “عزام” (خالد السيد)، من مكتبه ليرميها بعيداً، من دون ان يفترض ان ثمة كاميرات مراقبة تحيط بمركزه كرئيس عصابة، ومن دون أن يصادفه او حتى يلمحه اي من رجالات “عزام” المحيطين به بالعادة؟ وكيف يحصل ذلك بعد ان سبق لـ”فارس” ان وقع في فخ خطير في موقف مماثل؟ وذلك عندما سحب جثة شقيق زوجته أمتارا قليلة من الصيدلية (حيث يعمل) الى سيارته خارجها، ليعلق مباشرة في مصيدة من قام بتصوير هذا المشهد،وليبتزّه به لاحقاً.
-ماذا كان سيتغير في القصة لو لم تكن عائلة “خضر” السورية موجودة في الحي اللبناني، في استعادة واضحة لأجواء مسلسل “النار بالنار”؟ اقحم هذا الخط في العمل لزوم ما لا يلزم. وتيم عبد العزيز الذي كان قدم شخصية “بارود” كان متمكناً وصادقاً اكثر في “النار بالنار” ، ورغم الملاحظات بأن والده المخرج محمد عبد العزيز افرد له مساحة كبيرة في العمل، الا انه نجح في ما قدمه. اما شخصية “مروان” التي قدمها هنا فجاءت مستنسخة (ولو جزئيا) عن “بارود، وغير مقنعة. فكان كمن يقلد نفسه، بدل التقدم خطوة الى الأمام.
-كيف يمكن لأم ( كرمى) أن تترك إبنها يعيش بعيدا عنها، وعندما يزورها في شبابه (بعد طلاقها من “فارس”)، لا تفكر مجرد تفكير بأن تقضي ما تبقى من حياتها معه، او قريبة منه، ولا حتى تكشف له عن صلتها الرحمية به، وذلك بحجة انها تخلت عنه بعيد ولادته من أجل مصلحته؟ كل ذلك من اجل إيجاء تبرير بان “كرمى” ايضا تخبئ سرّا في حياتها، كما يفعل زوجها “فارس”. ولكن بماذا افاد هذا الخط الدرامي في طبيعة القصة ومآلاتها. فسرّ الإبن المخفي كُشف من دون أن يترك أثرا يُذكر في السياق.
-كيف يمكن لزوجة (كرمى) ان تغفر لزوجها (فارس) بهذه السرعة ارتكاباته بعد خروجه من السجن وان تعبر له عن شوقها ليترافقا سوياً؟ فاذا كان قتل شقيقها (لؤي) بطريقة غير متعمدة، فماذا عن انضمامه لعصابة “عزام” (حتى ولو كان مكرهاً) وقتله لـ”غزوان” (حتى لو من باب الثأر)…؟ فاذا كان الأمر بهذه السهولة المفرطة، إذن كان من الممكن ان يعترف “فارس” منذ البداية بقتله “لؤي” عن طريق الخطأ وسجنه، ليصبح أمر مسامحته من قبل زوجته، بعد قضاء محكوميته، امراً طبيعياً. لكن ذلك لم يكن بالطبع وارداً لدى مؤلف القصة لإعطاء تبرير للحلقات الثلاثين.
“نقطة انتهى”، كتابة فادي حسين، إخراج محمد عبد العزيز، وإنتاج “الصبّاح أخوان”، شارك في البطولة خالد السيد، حوروج شلهوب، وفاء طربيه، بياريت قطريب، محسن غازي، رولا بحسون، تيم عبد العزيز، منى كريم وغيرهم.
نرشح لك:
“نقطة انتهى” يوجه رسالة هامة حول عودة النازحين السوريين
رغم قساوته.. هذا هو لغز “ولاد بديعة”..“مختار” يخلق “بديعة” أخرى..
شاركنا النقاش