ضياء عبد الوهاب|
يتضمن تاريخ السينما الأميركية العديد من الأفلام التي عالجت قضية التمييز العنصري ضد الأميركيين من أصل أفريقي، منها فيلم “In The Heat of the Night” سنة 1967 للمخرج “نورمان جويسون”، مروراً بفيلم “Driving Miss Daisy ” سنة 1990 للمخرج “بروس بيريسفورد”، وصولاً إلى فيلم “Twelve Years of Slave” للمخرج “ستيف مكوين”.
ويأتي فيلم “Green Book” الذي عرض في نهاية العام الماضي، والحائز على جائزة الأوسكار هذا العام كأفضل فيلم وأفضل سيناريو أصلي، ضمن هذا المضمون الذي استطاع أن يرينا الأوضاع التي كان يعاني منها السود بطريقة متقنة، ومن دون اللجوء إلى السرد أو إضفاء طابع السيرة الذاتية، بل من خلال حكاية ونص متقن يشدنا من بداية الفيلم حتى نهايته، مع جرعة كوميدية مضبوطة تتناسب مع حساسية الفكرة التي يناقشها.
الفيلم من إخراج “بيتر فاريلي”، كتابة كل من “نك فاليلونغا” و”براين هيز كوري”، وبطولة “فيغو مورتينسن” و”ماهر شالا علي”.
يتناول الفيلم الفكرة عبر شخصيتين أساسيتين: “توني لب” الأميركي من أصول إيطالية، المتأثر بجو العنصرية وقتها، ونرى ذلك من خلال تصرفه في بداية الفيلم من خلال رميه أكواب زجاجية في النفايات بعد أن استخدمها عاملان من السود قاما بعملية إصلاح في منزله، وكأن لون البشرة مرض ينتقل من خلال التماس مع أصحاب البشرة السمراء. ولكن بعد أن يصبح عاطلاً عن العمل، يبحث عن فرصة جديدة ليجد عملاً براتب جيد، كسائق للشخصية الثانية: “دون شيرلي” عازف البيانو الماهر، ومرافق له في جولته مع فرقته في أقصى الجنوب الأميركي. لكن أصول العازف الأفريقية وبشرته السمراء تشكل عائقا أمام “توني” في قبول العمل، ليرضى في النهاية بعد تشجيع زوجته نظرا لحاجتهما إلى المال، رغم أنه سيتغيب مدة شهرين عن المنزل.
وتبدأ الرحلة، ويبدأ معها “توني” بالتعرف أكثر على “دون”، ويرى مدى براعته في العزف، إضافة الى كونه ذكيا ومثقفا ويصبح الرابط بينهما أقوى، لتتلاشى فكرة العنصرية شيئاً فشيئاً، ويصبح من المدافعين عنه في ما يتعرض له “دون” باعتباره أسمر البشرة. ونرى خلال الرحلة الإجراءات العنصرية المتبعة من تقسيم الفنادق والحانات، وحتى المراحيض في تلك المناطق، تبعاً للون البشرة، وتصل إلى حد منع السود من التجول في بعض المدن. لذلك يستعين “توني” بكتيب إرشادات يدعى “كتاب أخضر” يشكل عوناً للسود خلال تنقلهم في أنحاء الولايات، محدداً الأماكن التي يستطيعون الذهاب إليها.
وفي منتصف الفيلم تتعطل سيارة الرحلة في أحد الأرياف، يركنها “توني” جانبا ليقوم بتبريد المحرك، وعلى الجهة المقابلة سياج خلفه قطعة أرض يعمل فيها عدد من العمال ذوي البشرة السمراء، وينزل “دون” المتأنق من السيارة بسبب الحر، ويشاهده العمال في دهشة وتعجب، وكأن السياج يفصل بين عالمين مختلفين تماماً: عالمهم المتمثل بالعبودية (لدى أناس من ذوي البشرة البيضاء)، وعالم الرجل الأسود المتأنق ولديه سائقه الأبيض الخاص.. هذا المشهد يختصر الكثير مما يريد الفيلم إيصاله. لا حوار فيه ولا حتى كلمة واحدة، لكنه جاء قويا. بالإضافة إلى عدد من المشاهد الأخرى المؤثرة والتي توصل الفكرة بطريقة فريدة، وهي إحدى السمات التي أعطت الفيلم قوته، بالإضافة إلى أداء بطّلي العمل.
شاركنا النقاش