فاتن قبيسي|
لعل مسلسل “الحب الحقيقي” ( اخراج جوليان معلوف) المقتبس عن مسلسل مكسيكي ينطوي على لغز ما! فالعمل الذي انتهت “ال بي سي اي ” امس من عرض آخر حلقات جزئه الاول، رغم تضمنه اخطاء وانزلاقات عدة، فانه يحتل نسب المشاهدة الأعلى بين الاعمال الدرامية في لبنان، تبعا لإحصاءات “ايبسوس”.
القصة التي تقوم على قصتي حب متشابكتين بين البطلة نورا ( باميلا الكيك) ورامي في البداية ( نيقولا معوض)، ومن ثم بينها وبين راكان ( جوليان فرحات)، تركن الى سلسلة احداث رئيسية تدور بمعظمها في منزل الزوجين نورا وراكان في المزرعة. هذه القصة المستندة الى الصراع بين المشاعر لدى البطلة، وتضمنها الجريمة والخيانة والنفوذ وحب المال والاستغلال وما الى ذلك، فانها، الى جانب بعض الأخطاء الإخراجية، تفتقد الى منطق مقنع في بعض سردياتها. حيث تعتمد الصيغة المكسيكية على تناقضات، و”تفريخ” للأحداث بطريقة مفتعلة بغية التطويل.
.. ومن ابرز المفارقات اللاواقعية تحول المنزل الزوجي لنورا وراكان الى ما يشبه الفندق، يعج بالنزلاء من الاقارب والاصحاب، من مثل عمة نورا ( نغم ابو شديد) التي تصبح نزيلة دائمة، وكذلك شقيقها وائل ( الياس الزايك) وصديقه ولاحقا زوجته (لمى مرعشلي)، وقبلهما ليالٍ (أندريه ناكوزي) وبعض الأصدقاء المشتركين للزوجين، مع كل ما تحمله هذه الإقامات شبه الجماعية و”الطويلة” غالبا، من تبعات ومشاكل على صاحبي المنزل، من دون اي اعتراض من قبلهما.
كما ان العمل يتعاطى باستخفاف كبير مع مبدأ الجريمة. فقد تعددت جرائم القتل من دون ان نشهد تحقيقا قضائيا واحدا بشأنها، وكأن الأمور متروكة على غاربها. وتتعدد هنا الأمثلة.. فبعدما أعلن عن موت رامي وصديقه بحادث سير، لم يسأل احد عنهما- رغم أنه يفترض أنهما قتيلان في الجيش- ولم يطالب بمعاينة جثتيهما.
كذلك الامر بالنسبة الى قتل المسؤول عن العمال في المزرعة لاخيه، ثم قتله لكريم رحال. وانتحال شخصية رحال من قبل رامي بخفة مخيفة، كل ذلك طوي تحت شعار ان هناك عصابات مسلحة في المزرعة. وغيرها بالطبع من الجرائم.. هكذا يقتل القتيل كشربة ماء، وليس ثمة قضاء يحاسب او على الأقل يحقق!
غير ان المفارقة، ورغم اننا في زمن الانترنت، هي تعذر الاتصال بين نورا ووالديها، رغم قوة علاقتها بأبيها تحديدا ( اسعد رشدان). فانقطعت فترة طويلة عنهما بعد زواجها، والتبرير هو ضعف الارسال كما قالت نورا لوالدها في اول مكالمة لهما. وكأن المزرعة تقع في مقلب آخر من الكرة الارضية. او كأن المدينة خارج نطاق الكوكب!
والأنكى من ذلك، هو التعاطي اللإنساني والمبالغ فيه مع ميرنا (لمى مرعشلي)، التي ترمز الى الفتاة السمينة، فتنهال عليها تعليقات قاسية من قبل وائل ووالدته (نهلا داوود). فيصفها مثلا ب”الدراكولا، البشعة”، فيما تسألها والدته بعجرفة: “شو بتلبسي قياس؟ قديه طولك؟ قال بقولوا ما في مرا بشعة وما بتعرف تزبّط حالها. اللي بقولوا هيك أكيد ما شافوكِ”! فترد ميرنا باستسلام: “هالقد شكلي غلط؟!” وإذا كانت مرعشلي نفسها هي من تكتب الحوار في المسلسل، فان ذلك لا يبرر لها التعاطي بقسوة مع الشخصية التي تجسدها من باب الروح الرياضية، ذلك لأنها ترمز لفئة معينة من النساء!
كان الاجدر ان يتم تكييف المسلسل مع البيئة اللبنانية، لانقاذه من جملة مبالغات. لكن الواضح ان جهودا لم تبذل في هذا المجال. فالمحافظ في المكسيك مثلا لديه صلاحية التحقيق، فيما هو يفتقد الى مثل هذه الصلاحية في لبنان.
ويبقى السؤال: ما هو السر وراء الإقبال على مشاهدة “الحب الحقيقي” بنسبة تخطت ال16 مؤخرا؟
في محاولة للاستنباط، ربما يعود السبب الى ان المتلقي اللبناني، المحاصر بالهموم والضغوط، وجد في هذه القصة مادة للتسلية، بالاضافة الى انجذابه الى الارض والمزرعة بعيدا عن العاصمة وصخبها، والى ذاك المنزل الشبيه بالبيت القروي اللبناني، بعيدا عن القصور المزخرفة المعتمدة في معظم المسلسلات اللبنانية. حتى البطل راكان، الرجل الثري، يرتدي غالبا “الجينز” ويندمج احيانا مع العمال بين العلف والاشجار..
كما ان مشاهد تبادل القبل الحارة شكلت اداة جذب اضافية من قبل البعض، في وقت يعترض فيه آخرون على مثل هذه الجرأة في الدراما المحلية. الى جانب قَصة الحب المركزية. فالدراما مهما اختلفت مواضيعها، فانها تركز على قصص الغرام كأحد مفاتيحها التسويقية، وان لم تحمل جديدا في متنها. كما ان بعض الممثلين قدموا اداء احترافيا، وعلى رأسهم باميلا الكيك، التي شكل هذا العمل فرصتها الحقيقية.
ويضاف الى ما سبق، هوية المحطة العارضة ( وهي المنتجة ومنفذة الانتاج مي ابي رعد) . لا شك ان “ال بي سي اي” تتمتع بقاعدة جماهيرية لا يستهان بها . والأعمال التي تعرضها تنال نصيبا استباقيا من الحظ، حتى قبل بدء عرضها على الشاشة. انه الق المحطة ورصيدها الطويل.. في عيون مريديها!
شاركنا النقاش