فاتن قبيسي|
منذ ان استقال رئيس الحكومة سعد الحريري في ظروف غامضة من السعودية، والفضائيات اللبنانية تبث نشراتها الاخبارية وبرامجها السياسية فوق صفيح ساخن!
ولعل السخونة بلغت حدتها مع المقدمة النارية التي طالع بها الزميل مارسيل غانم امس جمهوره في برنامجه ” كلام الناس”.
اكثر من 15 دقيقة، سرد فيها غانم حيثيات طلب القضاء لحلقته السابقة، (التي استضاف فيها من بين ضيوفه صحافييْن سعودييْن)، وذلك في اطار خطاب وجهه الى الرأي العام، تحدث فيه عن طلب القاضية غادة عون نسخة عن الحلقة، متطرقا الى حضور عناصر التحري الى مبنى “ال بي سي اي” لمعرفة كامل هويته وهوية المدير المسؤول جان فغالي والضيفين السعوديين وهما عضوان الاحمري وابراهيم آل مرعي، متوجها بعد ذلك في خطابه الى وزير العدل سليم جريصاتي، الذي طلب اجراء التحقيقات اللازمة والتعقبات للادعاء على السعودييْن، والمحرضين والمسهلين لجرائم النيل من هيبة الدولة.
خطاب مستفيض أراد ان يجمع فيه كل الأفكار والبراهين للقول بان القضاء يتعامل بمعياريين: فكما يسكت احيانا عن أشخاص يتطاولون على رئيس الجمهورية، فانه يطارد احيانا آخرين، تحت العنوان ذاته.
خطاب متماسك، قد تبدو كل كلمة فيه مبررة، طالما ان الامر يتعلق بملاحقة إعلامي. لكن الحلقة، موضوع الخلاف، والتي أصبحت اليوم في عهدة القضاء، ( كما قال الوزير جريصاتي في رده على غانم) تستحق الوقوف عندها.
ليس سهلا ولا مسموحا بأن يقوم شخص أجنبي- في هذه الحالة سعودي وهو ابراهيم آل مرعي- بإهانة رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب وقائد الجيش ووصفهم “بالارهابيين”. لقد تجاوز بالاجمال هو وزميله الخطوط الحمراء والبروتوكولات الاعلامية، من دون ان يعارضهما غانم، او يساجلهما، ليس من منطلق وطني فحسب، بل من منطلق مهني يتبنّى وجهة النظر الاخرى على الأقل، حسب المقتضى الموضوعي.
يقول غانم في مقدمته امس ان المُحاور “ليس مهمته الدفاع عن احد بل ان يحاور”، وهذا هو المطلوب عادة، ولكن الامر هنا يتعلق بهيبة الدولة. وهو يدرك ذلك ضمنيا بدليل ما قاله في المقدمة نفسها: “وان كنا لا نوافقهما الرأي بالطبع”، ثم قوله: “انا لم اتعرض لرئيس الجمهورية”. اليس في ذلك كله تبرئة لذمته من التهمة المنسوبة اليه؟ كان بالإمكان ان يعكس موقفه هذا على الهواء!
ثم ان سؤالا هنا يفرض نفسه: لماذا تم استضافة اثنين من المملكة ليعكسا الموقف السعودي، فيما تم اختيار ضيف واحد من كل من ايران واميركا ولبنان؟ الا يخل ذلك بمعادلة التوازن بين الضيوف؟
لعل غانم اتكل على ضيفه الثالث في الحلقة نائب رئيس مجلس النواب السابق ايلي الفرزلي، الذي طلب منه ان يحصر به مهمة الرد على الرجلين، وقد أعطاه غانم وقتا ليس قصيرا للرد عليهما. ولكن هذا لا يعفيه من ممارسة دوره كمقدم برنامج ترك بصمته في الاعلام المرئي منذ سنوات طويلة.
وتتضاعف قيمة هذا الدور المفترض بعد حلقة كانت سبقت تلك التي حرَّكت القضاء. والتي انتُقد فيها غانم لتركه الوزير السعودي تامر السبهان يهاجم لبنان دونما تدخل. وقد استنتج عدد من الناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأن البرنامج “اصبح بوقا سعوديا”، وجاءت الفرصة في الحلقة التالية لإثبات تحرر “كلام الناس” من اية قيود سياسية وتمسكه بمهنيته. ولكنها ضاعت!
ربما كان طموح البعض بان يهم غانم بانهاء الحديث مع الضيف السعودي لمجرد تناوله رئيس البلاد. ولكم كان الجمهور اللبناني ثمن غاليا هذا الموقف- بغض النظر عما اذا كان الرئيس ميشال عون مجل اجماع في لبنان ام لا- لأن الامر يتعلق بكرامة رئاسة الجمهورية. لكن الغريب بالنسبة الى البعض الآخر ان المقدم لم يبادر حتى الى الاعتراض على صوت “النشاز”.
والمفارقة انه في حين طرد الزميل وليد عبود، في حلقة سابقة من “بموضوعية”، ضيفه حبيب فياض من الاستديو، لإهانته الوزير السعودي تامر السبهان، سكت غانم عن اهانة رموز الدولة اللبنانية. ضاق صدر عبود بضيفه اللبناني، فيما اتسع صدر غانم لضيفيه السعوديين الى حد كبير. والمستفيد في الحالين بالطبع هو وجهة النظر السعودية!
لا نسوق وجهة النظر هذه لتخوين اي من إعلاميينا، خصوصا غانم الذي قدم حلقات ناصعة، ما زال صداها في الذاكرة، في مجالات عدة، منها حقوق الانسان وعالم الاغتراب والعلوم والاقتصاد والفنون على انواعها. وانما لنقول بان للاعلام اللبناني عموما “شطحات” بين فينة واُخرى. وربما تحيز نافر ومخالف للموضوعية. ولكن في كل الاحوال، ليس مقبولا ايضا اعتماد الاستنسابية في المساءلة والمحاسبة. ثم ان “غلطة” غانم في ادارة الحوار لا تستحق كل هذا الاستنفار القضائي بحقه. فهناك خيط رفيع بين تطبيق القانون والإحساس بالمسؤولية على الهواء وبين قمع الحريات العامة وملاحقة الاعلاميين!
(انتهى المقال)
وزير العدل يرد على غانم:
الى ذلك، صدر عن المكتب الإعلامي لوزير العدل سليم جريصاتي البيان التالي:
“إن مقدمة برنامج “كلام الناس” البارحة على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال والتي طالعنا بها الإعلامي مارسيل غانم أثبتت بصورة قاطعة ما أصبح متداولا ومعروفًا من الناس بأن الهستيريا أصبحت متحكمة بمفاصل بعض البرامج السياسية، في حين أن زمن العهر الإعلامي والمتفلت من أي ضوابط أخلاقية أو مهنية قد ولّى، وأن لا أحدًا في لبنان اليوم فوق القانون ولا حصانة من أي نوع كانت لمن هو مدعو للإفادة امام المراجع الأمنية والقضائية المختصة، ذلك أن من يتمتع بالحصانة بحكم الدستور والقانون إنما يمثل للإفادة والشهادة، وأن الاتهامات الخاطئة والتطاول على المقامات والكرامات الوطنية بالمباشر ومن باب الأقرباء والانسباء هو عمل مدان بكل المعايير والمفاهيم، وأن الحرية الإعلامية برّاء من إعفاء الذات من الالتزام بالموجبات القانونية بحجة أن هويتنا معروفة، كما المسيرة والسيرة، ولا يكفي أن تتبرأ المؤسسة من إعلامي مقدم برامج لديها لإعفائه من موجباته تجاه وطنه وقوانينه وقضائه!!
إن حلقة مارسيل غانم لأسبوع خلا أصبحت بيد القضاء والقضاء وحده، وفي محرابه وحده، وبإشراف القضاة الشرفاء وأمامهم، تتم المطالعات وتتحدد المسؤوليات.”
شاركنا النقاش