فاتن قبيسي |
يخضع رصد نسب مشاهدة البرامج التلفزيونية دائما الى التجاذبات. لا ارقام دقيقة في لبنان، والمصداقية استنسابية. كانت شركة “ايبسوس” وحدها في الميدان لسنوات مضت. ولكن البعض لا يأخذ بنتائجها. دخلت “جي اف كي” على الخط. اصبح هناك شركتا احصاء. ولم تحل المشكلة. بل تعقدت اكثر. ثمة محطات لبنانية أصبحت تفضل واحدة على اخرى. الثقة هنا ايضا استنسابية. علما ان لبنان هو اول بلد اعتمد في المنطقة منذ العام 1999 ماكينات people meter التي تُوزع على التلفزيونات في المنازل، لتسجيل نسب المشاهدة مباشرة، وتجميع الداتا دقيقة بدقيقة.
وفي وقت بتنا نسمع فيه ان “جي اف كي” انسحبت من لبنان منذ العام 2015، فإننا ما زلنا نحصل على جداول احصائية باسمها. ما الذي حصل بالضبط في العام 2015 حتى بات البعض يتحدث عن حصرية شرعية “ايبسوس” بوجه زميلتها الألمانية؟ وما هو دور شركة ” آراء” الشريكة في “جي اف كي” وعلامٓ تعترض؟ وما هو دور نقابة الاعلان في لبنان، التي تملك مفاتيح اللعبة التلفزيونية؟ وكم تكلف العملية الاحصائية؟ وما هو مصدر تمويل كل من الشركتين؟
للإجابة على هذه الاسئلة، حاورت “شاشات” كل من نقيب الاعلان في لبنان جورج جبور، وممثل شركة “جي اف كي” في لبنان طارق عمار.
جورج جبور
لماذا تُتهم “ايبسوس” بالانحياز الى “ال بي سي اي” برأيك؟
يجيب النقيب جورج جبور بالقول: المشكلة ليست في “ايبسوس” او “جي اف كي”. بل انها في كيفية توزيع هذه الماكينات على المنازل، في ظل اعتماد احصاء سكاني قديم في لبنان، يعود الى العام 1932. فنحن اليوم نجهل بالضبط عدد سكان لبنان! وعليه، تصبح اي عملية احصاء عرضة للتشكيك. لذا يشكك البعض بنتائج استطلاعات “ايبسوس” ويتهمونها بالانحياز. ولمعالجة الموضوع، لجأنا الى الطريقة المعتمدة عالمياً، وهي اجراء ثلاث عمليات تدقيق بالاستعانة بمدققين دوليين : في الأعوام 2000، و2005، و2010. والتقرير الصادر عن التدقيق الثاني في العام 2005، يفرض بان يتراوح عدد المنازل في العينة، بين 600 و 800 منزل. واليوم بعد مرور 12 سنة، ما زالت العينة مقتصرة على 600 منزل فقط، بسبب ضعف الميزانية.
كيف دخلت “جي اف كي” الى لبنان؟ يجيب بقوله: في العام 2012 دخلت “آراء” كشريكة مع شركة ” جي اف كي” الألمانية- العالمية، الى جانب “ايبسوس”. ولا يمكننا التشكيك بخبرة وصدقية هاتين الشركتين العالميتين. وفي العام 2015 اتفق اهل القطاع التلفزيوني- الإعلاني (باستثناء محطة “الجديد” التي عارضت)، على تعيين مدققيْن من قبل شركتين نروجية وفرنسية، لفحص المعايير المعتمدة في كل من “ايبسوس” و” جي اف كي”، على ان تكون الشركة التي تحصل على معدل عام اعلى، هي المعتمدة في لبنان. فحصلت “ايبسوس” على 7،6 من تسعة، و” جي اف كي” على 7،2، وبالتالي اعتُمدت “ايبسوس”. حتى مدير شركة “آراء” طارق عمار اعترف بنتيجة التدقيق يومها. في حين عارضتها كل من “الجديد” و”ام تي في” .
هل يعني ذلك ان “جي اف كي” تعمل اليوم بشكل غير قانوني في لبنان؟ يرد بالقول: لا.. اقتصادنا حر، ولا يمكن منعها من العمل في لبنان. ولكن “ايبسوس” هي المعتمدة.
كم تبلغ كلفة العملية الإحصائية؟ يجيب جبور بالقول: تبلغ الكلفة بدءا من شراء الماكينات وتركيبها في المنازل، الى التدقيق بالداتا، حوالى مليون ونصف مليون دولار سنويا.
من هي الجهة الممولة؟ يرد جبور: انها شركات الاعلانات.
الا تشارك محطة “ال بي سي اي” في تمويل “ايبسوس”؟ يجيب: عندما فازت “ايبسوس” على ” جي اف كي”، كان يفترض ان تمولها محطات التلفزيون، ولكن بسبب اعتراض “الجديد ” و”ام تي في”، لم يعد بإمكان بقية المحطات وحدها تمويل دراسة “ايبسوس”. لذا اتخذت نقابة الاعلان قرارا في تموز 2016 بتمويلها، من خلال زيادة نسبة 3 بالمئة على كل حجز إعلاني.
ويردف قائلا: وعندما بدأنا بالتمويل، واجهونا بالأسئلة التشكيكية. اذ ان “جي اف كي” عادت في العام 2016 واجتمعت بنقابتنا ووجهت من خلالها أسئلة الى المدققين. امتنعت شركتا التدقيق عن إعطاء اجوبة بداية، فانسحبت “جي اف كي” من موضوع التشكيك، في حين اصر عليه طارق عمار!
ويستغرب جبور السباق الحميم بين المحطات متسائلا: اذا تصدرت محطة في لبنان، هل يعني ذلك ان الإعلانات كلها ستصب فيها؟ المعلن لا تهمه هذه الصدارة، لأنه ينطلق من نسبة مشاهدة كل برنامج على حدة، ونوعية الشرائح الاجتماعية المستهدفة، ومستوياتها الاجتماعية والاقتصادية، والفئات العمرية، والتوزيع المناطقي. وعليه يختار المحطة والتوقيت الانسب لإعلان منتوجه.
طارق عمار
من جهته، يجزم مدير شركة ” آراء” طارق عمار بان “جي اف كي” لم ولن تنسحب. وستبقى تصدر أرقاما موثوقة.
ويتحدث عمار موضحاً آلية عملية التدقيق التي جرت في العام 2015 ، فيقول: صحيح انني وافقت على النتيجة وهي 7,2 من تسعة، وذلك لانها تثبت اننا جيدين. علما انهم فرضوا علينا “بينالتي” بسبب عدم التزامنا بأحد المعايير بشكل سنوي. ووافقنا على ذلك . ولكن عندما عقدوا مؤتمرا صحافيا لإعلان نتائج التدقيق، وأرسلوا لنا بعده تقريرين حول “ايبسوس” و” جي اف كي”، اكتشفنا ان الاولى لا تلتزم بثلاث او اربع معايير، ومع ذلك أُعطيت معدل عام عال، كما انها أعفيت من “البينالتي”!
ويضيف: طلبنا عندها عقد اجتماع في العام 2016 من نقابة الاعلان وشركتي التدقيق في مقر احداها في باريس، فطلبوا منا مبلغ خمسة آلاف دولار لقاء ذلك، واشترطوا علينا عدم طرح اي سؤال يتعلق “بايبسوس “، تحت طائلة فسخ الاجتماع. ومع ذلك لم يعقد أبداً ورغم ان النقيب جورج جبور كان مشجعا لعقده.
وينتقد عمار “عدم اجابة المدققين على الاسئلة التي وجهناها لهم منذ ستة اشهر، متذرعين بالسرية. وحتى بعد ان رفعنا لهم السرية، فانهم يمتنعون عن الإجابة حتى الآن”.
وردا على سؤال حول اسباب اصراره على الحصول على الاجوبة، في وقت انسحبت “جي اف كي” من الموضوع، يوضح قائلا: “جي اف كي” لديها مصالح في العديد من الدول. وهذا موضوع خاص جدا في لبنان، ولن تدخل في تفاصيله. ثم انني لستُ وحدي من يصرّ على الامر، بل كذلك رئيس مجلس إدارة “ام تي في” ميشال المر، وكريم تحسين خياط من “الجديد”.
وحول مصدر تمويل “جي اف كي”، يجيب: انها “الجديد” و”ام تي في” تماما كما ان “ال بي سي اي” وشركات الإعلانات تمول “ايبسوس”. وعندما نقول له بان جورج جبور ينفي مساهمة “ال بي سي اي” في التمويل، يفضّل عدم التعليق.
وعن موقفه في حال لم يُجٓب على أسئلته، يقول عمار: عندها تصبح الكرة في ملعب نقابة شركات الإعلانات والقطاع ككل، الذي يتحمل مسؤولية تكليف المدققيْن بهذا العمل. وبالتالي مسؤولية الحصول على اجوبة منهما. وليس هناك شركة عالمية محترفة لا تجبب على أسئلة تتعلق بموضوع حساس لهذه الدرجة. ولكن في حال لم نحصل على اجوبة، فلكل حادث حديث!
شاركنا النقاش