ماهر منصور|
تضيق عين الكاميرا في مسلسل “أوركيديا”، ومعها تضيع ملامح المكان في كثير من الأحيان، فيتواضع المكان في قصور الملوك، ويطل بخجل من عين الكاميرا في الأسواق، رغم اتساع حيزها المبني، فلا يكاد يسهم في الإفصاح عن مسار الأحداث بوصفه مجموعة من العلامات، تنقل معلومات أو تقول شيئاً أو تشير إليه.
وكلما تحرر المكان من قيد الكاميرا ليكون فاعلاً في دلالاته، كما هو الحال في المشاهد الاستهلالية للمسلسل، يعود لينكفأ ويقبع في غرف ضيقة، علينا أن نتجاهل ملامحها ونتخيل أنها حيز للملوك.
يتنقل مخرج “أوركيديا” الفنان حاتم علي غالباً بين اللقطة المتوسطة، واللقطة المتوسطة القريبة وبدرجة أقل بينهما، وبين اللقطة المتوسطة البعيدة، معتمداً عليها بالتعبيرعن وجهة نظره الجمالية والموضوعية في سرد الأحداث، إلا أن تلك الخيارات لم تتح للمكان أن يفصح في كثير من الأحيان عن طاقته التعبيرية، ولم تساعده في أداء وظيفته الفنية في مسار الأحداث.
هذا الكلام، لا يمنع القول بأن المكان في “أوركيديا” نجح أحياناً (بقصد أو من دون قصد) في أن يعكس جزءاً من أخلاق وأفكار ساكنيه، كما هو الحال في تشكيل فراغ الحكم عند الملكين أنمار والجنابي، إذ يغيب كرسي الحكم العالي في قصر أنمار في الحلقات الأولى، التي تتلخص مهمتها في رسم ملامح شخصية الملك، قبل أن يعود الكرسي في قصره للظهور في حلقات متأخرة. وفي المقابل يتصدر ذلك الكرسي مجلس الملك الجنابي منذ الحلقات الأولى، في انعكاس دلالي عن اختلاف وعي الاثنين لمعنى الحكم وأسلوب إدارته للسلطة التي بين يديه.
ذلك مثال عن قدرة المكان على تكثيف دلالة الأحداث وطبيعة ساكنيها. الأمر الذي يدعونا الى طرح السؤال: مع توافر الإمكانيات الإنتاجية الكبيرة في العمل، لماذا لم نجد أمثلة مشابهة أخرى من حالات ربط الأمكنة بمسار الأحداث وشخصياتها في “اوركيديا”، والاكتفاء بكونها مجرد خلفية درامية لما يحدث وحسب…؟
بلا شك يتأثر المكان بخيال المخرج، ويخضع لرؤيته الإخراجية ولما يريده من الصورة أن تبلغ عنه من هذا المكان، وفقاً للحاجة التي يراها بأنها تخدم خطاب العمل الدرامي. ولكن المكان أيضاً مخطط له ضمن السيناريو، وهو يتطور عن النص الدرامي ويُبنى وفق مقتضاه، فأين ظلال النص فيه..؟
لنتأمل هذا المشهد: تقف الملكة خاتون أمام نافذه غرفتها، تخاطب جاريتها بالقول: “انظري هذه مملكتي أمامي ولكنني لا أستطيع أن اجعل طفلاً يحبني، أو أكون أماً لطفل”. لكن المملكة تطل خجولة في مربع الشاشة الصغيرة أمام الملكة خاتون، وكذلك الحال مع الملك أنمار الذي لا يكف عن الإطلالة من شرفة غرفته على مملكته، وفي أحد المشاهد نرى الملك في وقفته المعتادة يخبر زوجته عما يراه عبر شرفته: “أرى عمراناً وأزقة وميادين يملؤها بشر يسعون إلى رزقهم”. ولكن صورة المملكة تظل متواضعة، كما يكشفه لنا المشهد.
في الحالتين يبنى المكان بالوصف السردي من خلال الحوار في وسيط مرئي يفترض أن الصورة فيه هي لغته الأبلغ. ووسط هذه الصورة من شأن ترتيب المكان أن يمنحها قدرة إضافية على التعبير عما يبوح به الحوار، وأن يكون فسحة للتأمل في تفاصيلها لاستيعاب المشهد بكل مافيه من جمال ومقولات… إلا أن ذلك لم يحدث، وظل المكان مكبلاً، في مشاهد بالجملة من “أوركيديا”، مكتفياً بجمالية الشكل فيه، من دون أن ينخرط في أحداثها، ويكون عنصراً فاعلاً ذاخراً بالدلالات ضمن النسيج الدرامي للحكاية وشخصياتها.
العمل قصة وسيناريو وحوار عدنان العودة. ويجسد شخصياته نخبة من ألمع نجوم الدراما العربية، منهم: جمال سليمان، باسل خياط، عابد فهد، سلوم حداد، سلافة معمار، سامر المصري، قيس الشيخ نجيب، يارا صبري، واحة الراهب، ايميه صياح، مي سكاف، وآخرون.
شاركنا النقاش