فاتن قبيسي|
خاتمة مسلسل “للموت” لا ينقصها ذكاء. هذا باختصار ما يمكن قوله حول نهاية “سحر” و”ريم”. أرادت “سحر” نهاية تشبهها. تذهب هي ورفيقتها الى الموت غرقاً، بدل ان يصيبهما كما الضحية. حتى في الموت الذي اختارته (وهو عنوان العمل ومغزاه) ثمة قوة، وثمة إختيار.
قراءة الخاتمة تنمّ عن عناصر لامعة. البطلتان ماتتا ليكون هناك “سحر” و”ريم” أخريين، انهما الحفيدتان اللتان تحفظان ذكرى الأم وصديقتها لدى الإبنة لميس. وهناك “سحر” و”ريم” في مكان ثالث (رمزياً)، هربتا من الميتم، في إشارة الى ان ثمة قصصا متشابهة تعاد في الحياة.
حتى “عمر” أنهى حياته على طريقته عبر الانتحار. هكذا هرب رفقاء الطفولة الثلاثة من الموت (المباشر او غير المباشر) الى الموت. فهذا الخيار كان من خلفهم ومن أمامهم. وذلك منطقي بالنظر الى مسيرتهم الحافلة بالشر والانتقام المتبادل…
ثمة رسائل عديدة في العمل. لعل ابرزها ما قالته “سحر” لـ”محمود”: “ما في احلى من الفقر على نظافة، وما في أوسخ من الغنى على جيّة”. هناك حسن توظيف لشخصيتي البطلتين في استخراج استنتاجات تفيد القيم المجتمعية ولا تضر..
ثمة ايقاع متسارع للأحداث جعل المشاهد متيقظاً دائماً، ومتوثباً لمعرفة الآتي. الأبطال كلهم هنا ظالمون ومظلومون. تحبهم تكرههم في آن، ينفرونك تارة وتتعاطف معهم أخرى. شخصية “ريم” مثلاً تغضبك عندما تحاول قتل “هادي” الذي وثق بها لمرات عدة سابقا، ولكنها تبكيك في المشهد التالي مباشرة، والذي يجمعها بإبنتها “لميس” على الدرج.
عمل يترك لديك التباسا في المشاعر، وبعض الأسئلة الإنسانية، وكثيراً من الشغف بالدراما.
عمل يختزل العديد من القضايا: التشرد، اليتم، زواج القاصرت، عمالة الاطفال، المافيات، النصب، الامومة الضائعة، فقدان الهوية وضياع الانتماء.
عمل يجمع بين الأكشن، و الرومانسية بأرقّ حالاتها، والإجرام بأقسى مظاهره.
ولكن ثمة مأخذاً حول الخط الدرامي الذي اضيف لـ”امل”. لقد أُقحم بشكل لا يخدم العمل ككل. هذا لا ينفي ان دوجا حجازي ادت الدور بشكل موفق. ولكن لو كانت هذه الشخصية غير موجودة، فماذا كان سينقص المسلسل؟
كما أن إنقاذ “عمر” من قبل “جنى” تعتريه أسئلة. كيف تم ذلك في مكان اشبه بجهنم؟ من خاطر بحياته؟ وكيف يمكن ان يخرج من هذا المكان أحياء؟ وكيف يمكن وضع جثة محروقة في المكان بدلاً من “عمر”؟ وكيف لم يمر “عمر” بمرحلة علاجية معينة لنراه بعدها مباشرة في خضم الأحداث؟ انتظرنا شرحاً أوفى في هذا المجال، لكن الكلام مرّ سريعاً حول هذه النقطة.
لكن بعيدا عن ذلك، برع باسم مغنية بدور “عمر” بشكل منقطع النظير. ولا نبالغ اذا قلنا ان أداءه، وخاصة بعد تعرضه للحريق والتشويه، يضاهي أداء ممثلين أجانب مرموقين. طوّع ظهره وسيُره وصوته وكلامه وانفعالاته بما يخدم شخصية جديدة كليا، تضاف الى “عمر”. وقد نجح في كليهما بجدارة.
ولا مجال هنا للوقوف على المستوى الاحترافي للممثلين عموما في المسلسل، او المستوى الفني والتقني، (سبق وتناولناهما في مقال سابق)،
ولكن نتساءل ماذا بعد “للموت”؟ وهنا التحدي الأصعب لأبطاله. وتحديدا ماغي بو غصن التي رسّخت “سحر” في ذهن المشاهد، على نحو يصعب تفكيكها بسهولة.
“للموت” أخذ الدراما اللبنانية الى مكان آخر. نحا بها نحو الإحترافية. وكثير من مشاهده تأخذنا الى مستوى الأعمال التركية بشقّها الناجح. وإننا نتوقع ان يتم شراء العمل في الخارج.
.. “للموت” فخر الصناعة اللبنانية.
- يذكر ان “للموت 2” من كتابة نادين جابر، اخراج فيليب اسمر، انتاج “ايغل فيلمز”، المنتجة المنفذة جويل بيطار. وهو من بطولة ماغي بو غصن، دانييلا رحمة، باسم مغنية، محمد الأحمد، احمد الزين، جويل داغر، رندة كعدي، كارول عبود، فادي ابو سمرا، كميل سلامة، نقولا دانيال، ليليان نمري، ريان الحركة، ختام اللحام، علي منيمنة، وسام صباغ، دوجا حجازي، وغيرهم
نرشح لك:
شاركنا النقاش