فاتن قبيسي|
بين الإعجاب بالصورة واستنكار المضمون، شاهدنا الفيديو الذي اطلق مؤخرا، بدعم من مؤسسة “أبعاد” (التي تدافع عن قضايا المرأة)، ضمن حملتها “صانعة أمان”. وبشأن هذا العمل، نورد هنا عدة ملاحظات:
– رغم غنى الافكار وغزارتها لطرح قضايا المرأة، لم يجد القيمون على الفيديو الا تسمية المرأة بالبقلاوة منطلقا لهذا العمل “التوعوي” (كما اريد له ان يكون).
واذا كان هذا التشبيه معتمدا في المجتمع العربي الذكوري، بحسب ما ذكر الفيديو، فان الاكثر ايلاما منه، هو تكراره في الفيديو مرات عدة، كمن يسلّم بالامر او يستسلم له، وذلك على النحو التالي: “البقلاوة التي تحلّي حياتك”، و”البقلاوة التي تحبك”، و”البقلاوة التي هي كل حياتك…”، وفي ذلك تكريس اضافي في لاوعي كل من يشاهد هذا الفيديو، ذكورا كانوا ام إناثا!
ويكفي ان تسمع في الجزء الاخير من الفيديو: “أنا البقلاوة التي تتحدث عنها”، لتستشعر نوعا من الحسم في تثبيت الفكرة، فلا اعتراض على التوصيف، وكأن حال النص يقول للرجل: حسناً.. انظر اليّ كالبقلاوة، بامكانك ان تأكلني وتتحلى بي (من حلوى)، ولكن فقط لا تؤذيني!!
وعليه، فان النَفَس النقدي المفترض لدى القيمين على العمل جاء ضعيفا لصالح إمعان تشبيه المرأة بالحلوى العربية، وارسائه في الاذهان، ولو عن غير قصد. وهو تشييء مرفوض للذات الانثوية.
– يقوم الفيديو على خلط قضايا المرأة على نحوٍ قد يشوّش الرسالة على المتلقي. فمن التحرش، الى زواج القاصرات، مرورا بالتعنيف اللفظي والجسدي، والاغتصاب الزوجي.. كلها اُقحمت اقحاما على نحو أثقل الفيديو وشتت البوصلة!
– في مقابل ترميز المرأة بالبقلاوة او وصفها بصانعة الامان، هناك ترميز للرجل بالخطر. وهو تعميم اعتباطي، لا سيما وان الفيديو يخاطب الرجل بثلاثة مترادفات: “لأنك خَطًر، لأنك خَطِر، ولأنك الخطر”. والتعبير الاخير هو الاكثر نفورا بطبيعة الحال لأن الرجل يصبح معه تجسيدا للخطر بحد ذاته. فيما هي صانعة الأمن والأمان. فالفيديو بشكل عام يقوم على “تكرارات” لفظية” عدة تسيء الى المعنى المراد ايصاله، او في افضل الاحوال تنمط الفكرة وتعممها بطريقة تفتقد الى الذكاء.
– المفارقة ان الفيديو يتوجه للرجل، وليس الى صانعي القرار. علما ان “ابعاد” جمعية حقوقية ينبغي ان تطالب الدولة بادارج قوانين لحماية المرأة بدل ان تتوسلها من الرجل، الذي لا يوجد ما يضمن تغييره في ظل مجتمع ابوي.
– يرد في الفقرة الختامية: “ما بدي منك شي، ولا شي، بدي بس اعطيك، تشوفني، تقشعني، تحس، تبادلني”. وفي ذلك نوع من الدونية او الضعف في مخاطبة الرجل، في حين ان المساوة في الحقوق والواجبات بين الجنسين هو مطلب محق. وفي ذلك امتداد للنفًس الدوني المعتمد في الفيديو عموماً، من خلال الاعتراف الضمني بتشبيه المرأة بالبقلاوة، (وان كان الهدف هو العكس) وحصر القضية بطلب الأمان من الرجل.
– اعتماد التسطيح في بعض العبارات المختارة من مثل: “بخلصك بروحي من خيالك ولاحقني متل خيالي”.. ما مغزى هذه العبارة على سبيل المثال؟
– يرد في تعليق لجمعية “ابعاد” على الفيديو الذي نشرته على “انستغرام”: “محتوى هذا الفيديو قد يزعج العقل والقلب، ربما لأنه يصور المجتمع الابوي على حقيقته. والمطلوب؟ الامان لمن تصنع الامان”. ونحن نقول بأن هذا الفيديو مزعج لأنه يخدم المجتمع الذكوري وليس العكس، ويسيء الى قضية المرأة لافتقاره الى الذكاء والعمق. مما جعل الرسالة تنقلب الى ضدها.
– تبقى اشارة الى امرين ايجابيين: أداء الفنانة الشابة ريمي عقل، وهو أداء لافت ومحبب، والاخراج الموفّق. ولكن حبذا لو تم استثمار هذين الأمرين لصالح الفكرة الاقوى!
شاركنا النقاش