فاتن قبيسي|
لا شك ان مسلسل “بردانة انا” (كتابة كلوديا مرشليان، انتاج واخراج نديم مهنا)، الذي يعرض على محطة MTV، يتناول قضية هامة. فقد نقل معاناة الكثيرات من التعنيف الزوجي، وتمكن في القسم الاول من حلقاته، خلق مشاعر من النفور لدى المشاهد ازاء المعنِف، الذي قتل زوجته.
هذه النقطة الاستهلالية قد تبدو الاهم، خصوصا في ظل اعمال درامية اساءت للقضية، سواء عن قصد او غير قصد. لا ننسى مثلا كيف جلد “جبل” (تيم حسن) زوجته “سمية” (نيكول سابا) بالسوط في مسلسل “الهيبة”، لتتعلق به اكثر في اليوم التالي، وكأن اهانة المرأة أمر اعتيادي بل محبذ. هذا عدا بالطبع عن تجميل صورة “جبل” بالمطلق، الخارج عن القانون والذي في سجله ضحايا كثر.
وكذلك مسلسل “باب الحارة”، فهو ليس أفضل حالاً. قام في كثير من مشاهده على اخضاع المرأة وضربها وشتمها، ولسان حالها يقول: “حاضر يا ابن عمي.. يا تاج راسي”.. وعليه، يحسب لنص مرشليان انه ينطوي على رسالة، مفادها محاربة التعنيف وادانة المعنِف، بما يساهم في نشر الوعي في هذا المجال. هذا في السياق العام.
اما في التفاصيل، فثمة ملاحظات لعل أبرزها قصص الحب التي يتضمنها المسلسل. صحيح ان مثل هذه القصص ضرورية لانعاش اي سيناريو درامي، لكن طبيعتها هنا تفتقد الى الجذب. واولها تلك التي تجمع بين “دانية” (كارين رزق الله) والنقيب “زياد” (وسام حنا). ربما كان من الاجدى عدم وجود قصة عاطفية بين الطرفين لتشكل دافعا له لمساعدتها. ذلك ان من واجبات عناصر الدرك عموما مساعدة النساء من ضحايا العنف الاسري، وان كانت هنا اختها هي الضحية وليست هي. وليس بالضرورة ان يعشق “زياد” الموقوفة “دانية” (حاولت قتل زوج اختها القاتل انتقاما) حتى يقف الى جانبها في قضيتها. خصوصا وان ثمة تبريرا ايضا خلقه السيناريو لمثل هذا التعاطف، وهو ان زياد خسر كذلك امه واخويه في حادث يتهم والده بالضلوع فيه!
كذلك الامر بالنسبة الى المحامية في جمعية “كفى”( الاستاذة سنا)، اذ عزت القصة قيامها بواجباتها الى تعرضها سابقا للتعنيف الزوجي، وهذا ما لا ينطبق على محاميات “كفى” على حد علمنا. وبأي حال، ليس ضروريا تقديم المنطق التبريري للعمل الانساني دائما.
اما بالنسبة الى “باسم” (بديع ابو شقرا)، فقد جُمعت في شخصه كل مقاربات التعنيف مما يشوّش احيانا على المُشاهد الخلفية العامة. فهو اولاً ضحية والد قاس ومعنِف، وأمٍ ربته على المفاهيم الخاطئة انتقاما من صورة زوجها المعنف، وثانيا هو لا يحب اساسا زوجته التي قتلها، بل تزوجها لأنها توأم اختها التي يحبها. وثالثا هو يتعاطى الكحول والمخدرات، ورابعا هو “مفجوع” بأقاويل حول خيانة زوجته له.. كان يمكن تناول خلفيات الرجال المعنفين عبر ايراد اكثر من نموذج في العمل من شرائح منوعة، (بسبب وجود المعنفين في بيئات اجتماعية مختلفة)، كيلا يتم زجّها كلها في شخصية واحدة، مما قد يقدم مع مرور الحلقات تبريرات غير مباشرة- ولو عن غير قصد- ل”باسم” المعنِف .. والقاتل!
في الموازاة، اعتمد الاسلوب الاخراجي على المبالغة في تظهير العنف. المشاهد التي ضرب فيها “باسم” زوجته كان ينقصها الواقعية والدقة، مما حدّ من تأثيرها الوجداني المطلوب. بل على العكس، افرغت “مفاعيل” الصفع والدفع المعنى من مضمونه، اذ تنتشر الدماء على الجدران والارض، ويخرج الدم من فم “حنين” كنافورة على الحائط.. في لقطات يعتمد فيها Slow Motion فيما تتدحرج في احداها محتويات اكياس الفاكهة على الدرج حبة حبة.. بشكل يعتمد التكرار.. والافتعال.. والتعنيف لا يستلزم بالضرورة كل هذا الدماء، ولا تلك المغالاة. كما كان يمكن التنويع في المشاهد في هذا المجال.
غير ان ثمة واقعية لافتة تظهر من خلال شخصية “ام باسم” (جناح فاخوري). لقد نجح السيناريو في صوغ هذا “الكركتير”، الام المعنَفة سابقا من زوجها، والتي تحض ابنها ايضا على ممارسة الفعل ذاته بحق زوجته ومن ثم اختها عبر وسائل مختلفة. انها نموذج الضحية التي تتحول الى جلادة، المرأة التي تعاقب بنات جنسها كلهن على ظلم لحق بها، تحقيقا للعدالة. تماما كما تعاقب الرجل ايضا، بصورة ابنها (واخيها)، بشكل مغاير وبطريقة لا واعية.
اما بالنسبة الى الحوارات، فانها تصبح اكثر اقناعا ونضجا على لسان فاخوري، التي كُتبت لها عبارات حقيقية تتماشى بشكل جوهري مع طبيعة الشخصية التي اجادت تجسيدها. تماما كالكلام الذي تقوله ام المغدورة حنين ( رلى حمادة) في الشق المتعلق برفضها علاقة الحب غير المنطقية التي يخوضها ابنها الشاب. كلام وانفعالات حمادة جاءا من رحم الواقع في الحالات المشابهة في مجتمعنا، وان كانت الشخصية المكتوبة التي تؤديها حمادة بالاجمال بحاجة الى تطوير، كأم مفجوعة بابنتها. كما تفاوت مستوى الاداء لكارين رزق الله حيث تطور أداؤها مع مرور الحلقات. كذلك اجاد بديع ابو شقرا بدوره، كما جاء أداء وسام حنا موفقا.
“بردانة انا” يحتمل عموما المزيد من الكلام.. لكن يبقى الحكم النهائي مع انتهاء حلقاته ال75.
شاركنا النقاش