فاتن قبيسي|
تختلط المشاعر لدى رصد حياة الفنان فؤاد شرف الدين الحالية. حلقة “داليا والتجديد” امس على قناة “الجديد” كانت كفيلة بنقل الصورة كاملة، بقساوتها وانسانتيها في آن. حزننا وفرحنا، تعاطفنا وغضبنا. السينمائي اللبناني الذي له فضل كبير على السينما في الثمانينات يعيش في ظل واقع مرير. فهو يعاني ماديا، ومعنويا نتيجة الاهمال الرسمي.
لا شيء جديد في لبنان على هذا الصعيد. الفنان عموما بعد سنوات طويلة من العطاء يوضع على الرف. مصيره النسيان. لا نقصد هنا نقص في التكريم الرسمي، بل اهماله ماديا ايضا، لدرجة ان بعض الفنانين لا يملكون ما يسدون به الرمق. انها الحاجة الى حياة كريمة تليق بتاريخهم وعطاءاتهم.
فؤاد شرف الدين حقق نجاحات كبيرة في مجال أدوار “الاكشن”، جعل لبنان في مقدمة الدول العربية في هذا المجال. حتى ان إحدى الصحف الأجنبية كتبت عن مشاهده الخطيرة التي كان يقدّمها بلا “دوبلير”: “يوجد ستيف ماكوين في أميركا يقدّم الأكشن، وجان بول بلموندو في أوروبا، وفؤاد شرف الدين في الشرق الأوسط”.
استطاع شرف الدين ان يصنع حقبة سينمائية احترافية في لبنان. وهو المؤلف والممثل والمخرج. افلامه كانت تحظى باقبال كثيف. كان محبوبا على المستويين الفني والشخصي. يملك “كاريزما” ما زالت عالقة في ئاكرتنا مذ كنا نقصد سينماه اطفالا.
18 فيلما قدمها شرف الدين- بعضها من اخراجه – منها “حسناء وعمالقة”، “المجازف”، “قفزة الموت”، “ايفانوفا”… وشاركته ابنته الفنانة جمانة شرف الدين بعض اعماله، كذلك عرفت تلك الفترة بمرحلة “الأخوين شرف الدين”، نسبةً الى اخيه المخرج يوسف شرف الدين.
“الممر الخير” على سبيل المثال فيلم اثر فينا لدرجة اننا شاهدناه اكثر من مرة. افلامه كان فيها شيء من صورة البطل الحقيقي المفقودة في عز الحرب اللبنانية. لا تشبه صورة الزعيم الميليشاوي، ولا صورة قاطع الطرق. احببناه لأنه كان بديلا جذابا عن الخراب الذي كنا نعيشه.
دخل “الكابتن” لاحقا مصر من الباب العريض، (وكذلك ابنته جمانة) وشارك في بعض المسلسلات منها “الدالي”، “الهاربة”… لكنه عاد بعدها الى بيروت. وضع “تحويشة العمر” في فيلم “صرخة الابرياء” الذي اراد العودة به الى السينما اللبنانية بعد 20 عاما من الغياب. كتبه واخرجه وانتجه. الا انه منذ سنوات وهو يطالب بمن يدعمه لاستكمال مرحلة المونتاج، ليضع الفيلم بتصرف الجمهور.. ولكن ليس من مجيب!
حلقة امس من “داليا والتجديد” كشفت واقع العائلة الفنية الصعب. لا يملك “الكابتن” حتى جهاز كومبيوتر محمول. ابنته الثانية منذ سنتين في المستشفى. الشاليه الصغير الذي يعيش فيه وابنته جمانة غير لائق اطلاقا.. وحدها جدرانه ما زالت تذكّر وبقوة بمسيرة فنية غنيّة وناجحة، حيث تؤطرها مجموعة صور و”افيشات” افلامه، لتروي على الاسمنت “الصامت” حكايا ايام “العز” من من تاريخه السينمائي المضيء. انها صورة متناقضة تجمع بين تردي الواقع والق الماضي. يرمز اليهما سوء حال السكن، وصور الارشيف المشرّف.
قام البرنامج بتأهيل السكن، وأعاد الاعتبار المعنوي للفنان اللبناني من خلال احاطته بجمع من الاصدقاء الفنانين في مأدبة تكريمية، وحث وزارة الثقافة (الحاضرة الغائبة) على تكريمه، وكذلك عبر عرض شهادات بحق الفنان المخضرم من زملائه الفنانين، واعلاميين وموسيقيين.. وكل ذلك وسط فيض من تعابير الشكر والامتنان، تلفظ بها شرف الدين.
خيرا فعل البرنامج وقناة “الجديد” بتكريم هذا الفنان الذي لم يفقد بعد ولاءه للفن في لبنان، رغم كل شيء، تماما كما لم يفقد ولاءه لزوجته الراحلة منذ سنوات طويلة. ثمة وفاء واضح لدى هذا الرجل، وعدم انتهازية. قام البرنامج بتقدير الرجل، (تماما كما فعل مع تكريم الفنانين صلاح تيزاني وامال عفيش)، الذي يحق له ايضا باهتمام فني موازٍ. فما الذي يمنع اختيار شرف الدين لمزيد من الادوار التي تناسب مرحلته العمرية؟ هو وغيره من ابناء جيله؟ وان كان هناك استثناءات في هذا المجال من خلال حضور الفنان الكبير احمد الزين في اعمال معاصرة، واعادة الفنانة القديرة وفاء طربية الى الدراما اللبنانية في السنوات الاخيرة، على سبيل المثال لا الحصر..
فؤاد شرف الدين اطل امس في ظل جحود رسمي طويل بحقه، ولكن من دون ان يفقد صلابته وذوقه الاجتماعي وابتسامته الودودة، ومن دون ان يتخلى عن شغفه المهني وعزة نفسه.. “لا اريد شيئا” قالها في الحلقة.. ولكن شيئا واحدا كان ولا يزال يطمح اليه عبر صرخته لدعم فيلمه المقبل “صرخة الابرياء”!
شاركنا النقاش