خليل الحاج علي|
في عصر برامج الأونلاين والبرامج التلفزيونية الكوميدية المستنسخة التي ما فتئت تجتر المواضيع ذاتها: “لهون وبس”، “هيدا حكي”، و”جو شو”… يطل “ما لاقط” الذي يُعرض أونلاين عبر شاشة “يوتيوب” من تقديم أماني جحا، وذلك بعد تجربتها في قناة “او تي في”.
البرنامج الذي حظيت إحدى حلقاته بحوالى 70 ألف مشاهدة (عبر “يوتيوب” ومواقع التواصل الاجتماعي)، مدته حوالى عشرين دقيقة، تتعدد فقراتها بين “التنقير” السياسي والإجتماعي والإعلامي، وتعرض آراء المواطنين، الذين ينساقون للحديث عن مواضيع مثل: “هل تعلم أين يقع شارع الملك سلمان؟” وأخرى لا تمت إلى الواقع بصلة: “هل تعلم أين شارع أماني جحا؟”
حسناً سنستمر بمشاهدة الحلقة حتى الدقيقة الأخيرة، مواضيع إقليمية وعربية ومحلية، فيديوهات لا تزال تطالعنا باستمرار عبر مواقع التواصل الإجتماعي، تتم إعادة جدولتها في إطار سردي في الحلقة، التي تكثر فيها الفواصل الموسيقية. يطل الضيف، وتبدأ الأحاديث، تبدو امارات الراحة والإطمئنان على وجوه المقدمة جحا، والضيف وزير الداخلية السابق زياد بارود، مثلاً، أوالإعلامي فراس حاطوم وغيرِهم، فلا شي يلوح في الأفق أو يدل على إستفزازٍ معين خلال اللقاءات الأقرب إلى لقاءات البيوت.
السقوف السياسية مفتوحة في البرنامج، فلا رقيب عليه، ولا ممول ولا أنظمة تردع فريق الإعداد عن قول ما يريد، فهل سيستمر البرنامج على هذا النحو بعد إنتقاله إلى “العربي أونلاين”؟ فالإعلامية أماني جحا حملت معها برنامجها وفريق عمله، بحسب ما أكدت لـ “شاشات”، إلى “العربي أونلاين”، حيث الإنتاج الضخم والديكورات الفخمة والسقوف السياسية التي تؤكد جحا أنها لن تتغير، ومن المقرر بحسب ما كشفت لنا أن يتضمن الموسم ثلاث عشرة حلقة أونلاين، على أن يتم عرضه عبر الشاشة في ما بعد.
السينوغرافيا الفقيرة، والفقيرة جداً، أطل بها “ما لاقط” على جمهوره الفقير عبر قناة “يوتيوب” من خلال “Malaket Show”، ومن حواضر البيت أُعد الديكور، الذي يحتوي على منضدة للطعام، مراطبين، سطل دهان، وجاطات…
هنا يخطر لنا مصطلح المسرح الفقير الذي برز في أواخر القرن الماضي، فقد عزز المسرحي البولندي “ييجي غروتوفسكي” هذا المصطلح، وقام بإلغاء كل العناصر المسرحية من إضاءة وملابس ومناظر وموسيقى وتأثيرات ضوئية، لكنه جعل الممثلَ لبّ الفن المسرحي، فوحدَه القادر على التحويل من شخصية إلى شخصية، ومن صورة إلى صورة.
في “ما لاقط” نحن أمام ديكور فقيرٍ له رمزيته وأبعاده الإجتماعية، التي نشاهدها في بيوتنا، رغم أن الإضاءة كانت معتمة لدرجة يصعب معها رؤية الوجه وملامحه، والنص المكتوب أو المحضر سلفاً تتم قراءته بأسلوب روتيني يعتمد على تنغيم الصوت قراراً وجواباً، بعيدا عن تجسيد ومحاكاة ما يتم قوله بالجسد والمستويات الشكلية المختلفة، وإذا اقتضت الحاجة إلى التفاعل مع مقطع الفيديو، تنفلت يدا جحا يميناً وشمالاً.
السكريبت ظريف، لكن الأفكار فعلاً سطحية، كتسليط الضوء على أكبر حدث مصري متمثل بأكبر كلسون رجالي، أما كل ما يرد حول القضية الفلسطينية وتسمية شوارع هولندا باسم عهد التميمي مثلاً، لها أبعادُها العاطفية فقط، فهي أقرب إلى الآراء والتساؤلات التي تطرح عبر منصات التواصل الإجتماعي. أضف إلى ذلك… عشرون دقيقة لبرنامج أونلاين هي وقت فائض للغاية، في عصر السرعة!
إذا كان هدف البرنامج هو بث روح الفكاهة، فإن المقومات لم تعطه القوة. أداء وتفاعل جحا كانا خافتين، والمعلومات الخفيفة و”الجوجلة” على التواصل الإجتماعي، لم تنجح جحا في إظهارها وتكثيفها ضمن سياقٍ فكريٍ ناجح. أضف الى ذلك، المحتوى الذي لا يشكل اساسا مادة خام مناسبة للتناول في برنامج كهذا، لذلك أتى التفاعل مع المحتوى ضعيفاً.
ميزة البرنامج الوحيدة هي الديكور الفقير. فالسينوغرافيا تعد إبداعاً وفكرة نموذجية بكل ما تحمله من أبعاد إجتماعية. لكن بالعودة إلى غروتوفسكي، فإن السينوغرافيا لا تشكل شيئاً مقارنةً مع اللَب، واللًب هنا هو المقدم… لكن المقدمة جحا لم يساعدها محتوى النص وأفكاره (فيديوهات وآراء الناس…) في تقديم مادةٍ فكرية تتخطى ما هو متعارف عليه.
إنه عصر الأونلاين فعلاً، وعصر السرعة أيضاً، فهل سيتقدم البرنامج نحو الأمام في سياقه الفقير، أم أنه سيشهد تراجعاً لدى عرضه على “العربي” أونلاين”؟
شاركنا النقاش