فاتن قبيسي|
لم تكن الفنانة ماغي بو غصن تحتاج الى كل هذه المبالغة في “جوليا” (اخراج ايلي ف. حبيب). كان الاداء ليبدو أكثر إقناعا لو مال اكثر باتجاه التبسيط.
لا شك ان ماغي بو غصن فنانة بكل المقاييس. تتفوق على غيرها من الممثلات في لبنان بموهبة الكوميديا. موهبة قلما نجدها. تجيد لعبة الاضحاك بخفة ظل. كل ما فيها ينطق. نظراتها، يداها، كل عضلة في وجهها. تعبر بروحها وجسدها. وتتواطأ معها خفة الحركة ولياقتها البدنية. تبدو روحها خفيفة كنسمة، وجسدها كريشة.
هذه الفنانة المطواعة لم نجدها في “جوليا” كما توقعنا. عندما اعلن صناع العمل عن فكرته (تأليف مازن طه)، استبشرنا خيرا، وجدناها اكثر جاذبية من فكرة “كاراميل” (المسلسل الرمضاني السابق). لكن التنفيذ اوقع العمل في فخ المغالاة. هكذا بدت معظم الشخصيات التي لعبتها البطلة. وقد اخذ بعضها منحى هزليا. ليست غلطتها على الارجح، بل انها مسؤولية المخرج. ربما عفا نفسه من مهمة ادارة بطلة العمل، او انه اعتمد رؤية اخراجية لم تنصفها. فالاداء افتقد الى “العيار” المناسب. تحبها كثيرا في حلقة، وتأسف في اخرى لكونها “شطحت” في الاداء. كان يمكن تعيير “الدوز” المطلوب لكل شخصية كيلا تفقد مكابحها. لكأن “جوليا” هي التي سيّرت ماغي، وليس العكس. اي ان ماغي الممثلة لم تتحكم ب”جوليا” من خلال اجادة رسم حدود الشخصيات الملعوبة فيها. استسلمت لهذه الشخصيات الى الحد الاقصى!
ربما “كراكتر” الاميرة الاندلسية كان من اكثر الشخصيات الناجحة في العمل. “عيار” الاداء هنا كان مناسبا. والحلقات التي لعبت فيها هذه الشخصية كانت الاكثر استقطابا. تليها شخصية السارقة… لم تضف هنا بو غصن “بهارات” من النوع الذي يفسد الطبخة، كتغيير صوتها او افتعال حركات دخيلة او فاقعة، كما فعلت في دور الراقصة على سبيل المثال، او الفتاة الرومانسية. وهما شخصيتان قامتا على الغلو. كان يمكن ضبطهما اكثر، بلا اختراعات.. وبلا تعقيد!
.. لكن الشخصية الرومانسية من حيث الشكل كانت تليق ببو غصن. بدت هنا جميلة، لعوب، جذابة بفساتينها والوانها وتسريحة شعرها. ولكن كان ينقص اداؤها بعض التشذيب. علما انها نجحت في جزء منها من خلال اغنية “حاجة غريبة”. جسدت فيها والفنان قيس الشيخ نجيب دور الراحليْن شادية وعبد الحليم حافظ . تألقت جدا بالاغنية، سواء بتقليدها شادية، ام ببث روحها الخاصة الآخاذة فيها.
الى ذلك، يسجل للبطلة الجهد المبذول في تقمص الشخصيات عموما، وحسن اختبار الملابس والاكسسوارات والماكياج. مع طغيان خفة ظلها على بعض الحلقات. ويسجل للفنان سلطان ديب انه اضاف نكهة خاصة. هذا الممثل يجيد الدراما والكوميديا في آن. حضوره محبب في “جوليا” ويجترح البسمة بخفة. كما ان الفنانة تقلا شمعون تقدم هنا دورا جديدا. الكوميديا ليست حرفتها بالعادة، ولكنها نجحت في “برمجة” الشخصية. خاضت اللعبة من دون ان تفقد رصانتها. وازنت بين الظرف وصون الأداء. كذلك شكل وسام صباغ وجيسي عبده ثنائيا متجانسا. فيما لم يكن مجدي مشموشي موفقا في دوره.
“جوليا” (انتاج “ايغل فيلمز”) شكل فسحة ظريفة في رمضان، ولكن كان يمكن ان يكون افضل بكثير. الفنانة ماغي بو غصن طاقة كبيرة في مجال الكوميديا، ولكنها لم تخضع بعد لوحدة “قياس” صحيحة لتظهير طاقاتها المختزنة. الافلام والمسلسلات الكوميدية التي لعبتها حتى اليوم لم تستثمر موهبتها كما يجب. لا نغالي في ذلك، فهي تدفع اما ثمن ضعف النصوص او ثمن غياب المخرج كضابط ايقاع للعمل. والمرأة الثلاثية الابعاد (تمثل وترقص وتغني) يليق بها عمل من نوع آخر. عمل كوميدي مطابق للمواصفات. او قد يكون اشبه بالاستعراض او.. الفوازير.
.. ماغي بو غصن جديرة فعلا بأن تصبح يوما “شيريهان” اللبنانية.
شاركنا النقاش