فاتن قبيسي|
ليس واضحا على اي اساس قامت المعالجة الدرامية في مسلسل “الهيبة- العودة” (كتابة باسم السلكا واخراج سامر برقاوي) لم يعد مشهد الدماء والجثث هو محط الكلام. ولم يعد استسهال زهق ارواح الناس موضع استغراب. وليست شبكة الدعارة موضع استنكار. نضع كل هذا جانبا. فقد ترتفع اصوات لتقول ان هذا من وحي الواقع. حسنا. ولكن ما الذي يدفع “جبل” (تيم حسن) الى جلد زوجته سمية (نيكول سابا) مستخدما “القشاط” بهذه الطريقة الوحشية؟
لذا نقول ان المشكلة الفعلية هي في المعالجة الدرامية. ونتناول هنا شخصية “سمية” مثالا. لقد تم بناؤها على اساس هجين. لا نعرف لماذا يريدنا السيناريو ان نتعاطف مع البطل “جبل” على حساب “سمية”. يصورها متمردة وعصية على الترويض. وتخالف اوامر زوجها وتتحداه، وتستحق الضرب والجلد. ولكن على اي اساس؟ وهي الفتاة التي قُتل والدها ايضا، وبالساطور، اكثر الادوات عنفا واجراما، وأُجبرت على الزواج من زعيم العائلة التي قتلت والدها ثأرا لوالده. ما ذنبها هي في ظل معمعة القتل التي تحيط بها؟ لماذا يريدنا السيناريو ان نتعاطف مع “جبل” الذي فقد والده، ولا نتعاطف معها، وهي التي خسرت والدها ايضا؟
“انه حقن الدماء” هذا هو الجواب الذي قدمه العمل كتبرير للزواج بالاكراه. حسنا. لكن لماذا تعامل “سمية” في منزل زوجها معاملة مهينة الى هذا الحد؟ من الطبيعي ان تتمرد وتتحدى، وهي التي لم تكن تستوعب بعد صدمة فقدان والدها، حتى حرمت ايضا من خطيبها، وزُج بها في منزل آل سلطان الجبل، حيث التعاطي اللاانساني.
اما آخر “ابتكارات” الزوج، فهو اقتحامه غرفة زوجته وايقاظها وهو يشد شعرها بعنف ليحاسبها على فعلة معينة. وعندما تتصدى له وتحذره، يخلع حزامه ويضربها به ضربا مبرحا، وصراخها يملأ المنزل. ويجلس الى مائدة الطعام. وعندما تقترح اخته منى (روزينا اللاذقاني) ان تناديها لتأكل، يقول لها: “اتركيها عندما تجوع ستأتي كالفأر..” . إذلال يمارسه بحقها دون هوادة. يقول لها احيانا “اندفسي”.. ما بدي اسمع كلمة من نيعك.. وحظي متل إجري….”
وما يثير النفور ايضا مشهد يحدد فيه “جبل” لزوجته نطاق تحركها في المنزل “بين جدرانه والششمة فقط” (بيت الخلاء). حتى نوع المفردات المستخدمة في الحوارات يدل على مدى التحقير الممارس في هذا المجال.
كيف يمكن ان نتعاطف مع المعنِف لمجرد انه اراد حقن الدماء؟ الغاية النبيلة هذه ناقضها الرجل نفسه من خلال زهقه لارواح كثيرين في الحلقات الماضية، خارج اطار عائلة “السعيد”. وهل الاخلاق تتجزأ؟ ام انها استنسابية؟
يبدو مسار شخصية البطل متناقضا. والتبريرات المعطاة للتعاطف معها ركيكة. بل انها منفرة. لا خط انساني عموما في العمل. ولكن تعنيف الزوجة مستنكر، سيما وانه يمارس هنا لفظيا وجسديا. وان كان “جبل” قد اسف لاحقا امام والدته ناهد (منى واصف) لضربه زوجته.
في المقابل، كيف يمكن ان تتصرف “سمية” وهي التي دفعت حياتها ثمنا للمصالحة؟ تحولت الى كبش فداء؟ لماذا لم يراع الكاتب الجوانب الانسانية في تجربة الفتاة القاسية؟ لماذا يجلدها السيناريو لصالح صورة الرجل المعنِف؟ ثم الم يكن ممكنا الاستغناء عن مشهد الجلد بالحزام؟ هل كان سيؤثر ذلك على مجريات القصة؟ ولماذا تم نسف الاساس الذي اعتمد عليه الموسم الاول لجهة عدم اهانة المرأة. بل ان “جبل” مشط شعر”عليا” في احد المشاهد برفق وحنو. كما تم تصوير المرأة كمدافعة عن منزل العائلة وكرامتها ( من خلال تصدي “ام جبل” وعليا” و”منى” بالبواريد).
يبدو أن العمل سمته العنف بشكل عام. لا بأس. ولكن قضية النساء حساسة. فكل ما تسعى اليه الجمعيات النسائية لمحاربة التعنيف، تنسفها بعض المسلسلات عبر تجميل صورة المعنِف. صحيح ان كثيرين لا يتأثرون بالدراما، ولكن ثمة من يتاثر بها من “فانز” النجوم، خصوصا اذا كان المعنِف هو نجمهم، وهو البطل.. والجغل في آن!
شاركنا النقاش