[sam_zone id=1]

فاتن قبيسي|

من الصعب تناول تاريخ التلفزيون في لبنان من دون ذكر اسم الراحل سيمون اسمر. وعليه، فان المعد والمخرج اللبناني ليس “صانع النجوم”  فحسب، بل انه صاحب الفضل الاكبر على المؤسسة التلفزيونية في لبنان عموما، بدءا من قناة 7، وصولا الى المحطات الخاصة، وفي طليعتها LBC.

انه الشاهد على التلفزيون بمرحلتيه “الابيض والاسود”، والملوّن بميزة HD، بل والشريك في نهضته. عشرون عاما قضاها في تأسيس صورة جذابة للتلفزيون الرسمي، فيما صنع جزءا لامعا من ارشيف محطة LBC، على مدى عشر سنوات، عبر ارساء قواعد احترافية للبرامج الحوارية، وبرامج الالعاب والتسلية، والسهرات الفنية..

أسمر الذي نجح في لفت انتباهنا باكرا الى الفن، وعلمنا حب تذوق الغناء والموسيقى، وهذّب مسامعنا، واضفى على أعيننا النظرة النقدية، له الفضل علينا ايضاً كاعلاميين نمارس مهنة التقييم بعين تفحصية، من خلال مشاهدة برامجه والاستماع الى لجان تحكيمها وآراء المختصين.

دشّن اسمر مساراً جديدا من خلال برنامج “استديو الفن” عبر “تلفزيون لبنان”، البرنامج الفني الاول من نوعه في لبنان، حيث تخرّج منه مئات المطربين والاعلاميين والشعراء… بتقنيات محدودة وقتها، لمع اسم البرنامج واشتهر خريجوه ونجع صانعوه. وفيما توالت في السنوات العشر الاخيرة برامج اكتشاف مواهب الغناء، معتمدة على احدث تقنيات الصوت والصورة، وبميزانيات ضخمة، لكن اسم سيمون اسمر ما زال في الوجدان، و”استديو الفن”- البكر ما زال في الذاكرة.

ولكن الامر لا يتوقف عند متعة المشاهدة، فقد تسنى لنا مواكبة تصوير بعض حلقات البرنامج في العام 1992، عندما التحق به شقيقي محمد كهاوِ عن فئة الشعر، وقد حصل يومها على الميدالية الذهبية. وللحضور في الاستديو طعم الاكتشاف بطبيعة الحال.. اكتشاف الصناعة وتذوق النجاح، حيث كان سيمون اسمر يتمتع بسحر الادارة وسطوة الحضور . كان صوته يهدر في الكواليس اذا ما وقعت زلة ما، وكان هو “ولي امر” البرنامج من الفه الى يائه، فتشعر بأنه مدير التصوير ومدير المسرح ومدير الانتاج والمعد والمخرج في آن. وكان يراقب اطلالات مقدمة البرنامح يومها هيام ابو شديد، واعضاء لجان التحكيم (جورجيت جبارة، الراحل زكي ناصيف، وليد غلمية، ماغي فرح، وايليا ابو شديد…)، وصولا الى المتبارين، ويهتم بالثياب وتسريحة الشعر واسلوب التعليقات.. على نحو غير متساهل البتة!

والتعرف على اسمر كان بمثابة فرصة توازي او تفوق فرصة اللقاء بالمشاهير. كان معروفا اكثر من بعض النجوم وهو العامل في الكواليس، وصاحب هيبة وفرادة في تخصصه.

لا يهمل اسمر شاردة ولا واردة حتى تخرج صورة اعماله التلفزيونية كلوحة مدروسة المضمون والأبعاد والزوايا. كان “وان مان شو” في زمن غير متطور تلفزيونياً. يفتخر في احدى مقابلاته بأنه بدأ عمله في التلفزيون “ماسح غبار”، وهو القائل في مقابلة اخرى: “كنت مسّح الارض قبل ما تطلع جورجيت جبارة ترقص”. ثم اصبح مساعد مهندس صوت، وصولا الى الاعداد والاخراج، حتى تحول في محطة LBC الى مدير برامج المنوعات، ثم صاحب ومطلق فكرة “نهر الفنون”، أكبر تجمع سياحي فني. قدم مئات البرامج اللامعة، منها: “الاول عال lbc”، “قلبي دليلي”، “ضيوف السبت”، “كأس النجوم”..  كما شارك في برنامجين في “الجديد” وmtv.

وفيما اطلق عددا كبيرا من الفنانين وتابع مسيرتهم عبر عقود موثقة، اخذ عليه بعض الفنانين “اجحافه” في تلك العقود التي وصفوها ب”الاحتكارية”، لكن الغالبية سعت الى النجومية من خلاله كمطلِق مواهب ومدرِّب ومدير اعمال فني متمرس، وصاحب نظرة ثاقبة. ولكن الرجل الناجح تعرض لنكسة مالية كبيرة، تسببت في دخوله السجن في قضية “شيكات بلا رصيد”. حيث بقي عشرة اشهر وراء القضبان، قبل أن يبادر احد رجال الاعمال الى دفع المبالغ المتوجبة عليه.

عرف اسمر العز والوجع، الأضواء والعتمة، النجاحات والخيبات، الامتنان والنكران، وصاغ شاشة شكلت خير انيس لشعب مستوحش في الحرب، وافضل رفيق للخارجين من اهوالها، الباحثين عن الفرح والترفيه في مرحلة اعادة الاعمار، ليختم مسيرته عضوا في لجنة تحكيم برنامج “ديو المشاهير” في موسمين متتاليين عبر محطة MTV .

سيمون اسمر (1943 – 2019)  اجاد في تقديم خلطة تلفزيونية لا تشبه غيرها في لبنان والعالم العربي.

في هذا المقال

شاركنا النقاش