فاتن قبيسي|
قبل دقائق من الحادث المصيري، رقص “عامر” (باسل خياط) و”فرح” (دانييلا رحمة) رقصة الموت الاخيرة. وضع مادة المخدر على انفها، وراح يضغط على وقع خطواتهما. تدحرجت اقدامهما على ايقاع “التانغو”. مالت اجسادهما باتجاه المصير المرتقب. هكذا اراد المخرج رامي حنا ان يصور مشهد “عنيف” في اطار ايقاعي فني راقص.
“تانغو” (عرضته LBCI) مسلسل اجاد لعبة التشويق. ورغم بعض الملاحظات حوله، نجح في اصطيادنا. كنا ننتظر حلقة تلو اخرى. موضوع الخيانة المستهلك دراميا قدم هنا في قالب بوليسي مغاير. طيف الجريمة الذي خيم على العمل اشرك المشاهد في الترقب والتخيل والتوقع. النص الاساسي مستقى من المسلسل البلجيكي “حب بعد حب”، لكن ثمة اجتهادات اضافها الكاتب اياد ابو الشامات غيرت في بعض الخيوط الدرامية ومآلاتها.
ثمة جهد ملموس في الكتابة لنص محبوك بين الحب والبوليسية، ومشبوك بين زمنين رديفين. زمن يتقدم في مجريات القصة، وآخر يتراجع ليوضح خلفيات هذه المجريات. خطان متوازيان، كأنهما سؤال وجواب. لكن كما قلنا في مقال سابق (عنوانه “تانغو”: عمل جيد وثغرة) كان يمكن فصل الزمنين عبر لعبة الالوان، بدلا من تعاقب كلمتي “الحاضر” و”الماضي” على الشاشة، وذلك منعاً لتشتيت المشاهد.
تمكن “تانغو” من فرض نفسه بين المسلسلات الرمضانية الاخرى. اتسم غالبها بالضعف. فيما امتلك هو عناصر قوة ما جعله منافسا. دقة في التعاطي مع الاحداث، التي رغم طولها، لم تشع الملل، وذكاء في اختيار الابطال، والموسيقى التصويرية هنا جزء من البطولة.. باسل خياط ودانا مارديني لافتان. باسم مغنية متمكن جدا. دانييلا رحمة سجلت حضورها الاول بطريقة واعدة. والفنانة سميرة بارودي فرضت نفسها بعد غياب. ويوسف حداد كان “على قد الحِمل”. ونقول مجددا بأن طلال الجردي قدم في هذا العمل افضل أدواره.
“تانغو” (“ايغل فيلمز”) نُفذ على ايقاع موزون بالاجمال. باستثناء بعض “النوتات” التي افلتت من الايقاع احيانا. كالمشهد الذي كان يبحث فيه “عامر” عن قرط عشيقته عابثا بشراشف السرير، وعندما تسأله زوجته “لينا” عما يبحث، يجيبها عن “الشحاطة”! كذلك المشهد الختامي المرتبط بالمشهد الافتتاحي. فثمة مبالغة تقنية في تنفيذ الحادث الذي قلب السيارة مرات عدة، على نحو يشبه الالعاب الالكترونية. والاغرب، هو ان يبقى الحيبيبان في هذا الهيكل المعدني حيَيْن. والاكثر غرابة هو ان تخرج “فرح” بعد ذلك من فكي المعدن اللذين يطبقان عليها، وبلا مساعدة (لتجد قاتلها بانتظارها)! مشهدان مفصليان كان يمكن اعادة النظر بهما. كان ينقصهما الاقناع.
في المقابل، نجح العمل في اللعب على اوتار العاطفة والعقل، الوفاء والخيانة، (والخيانة هنا مزدوجة للازواج والاصدقاء) السلطة والمال، وابراز العقد النفسية لدى بعض ابطاله. تجربة “عامر” على سبيل المثال امتداد لمسيرة والدته التي عشقت رجلا آخر على زوجها. لكن العمل لم يبرر الخيانة، والا لكان سقط في فخ مريع.
الى ذلك، حسمت الحلقة الاخيرة توقعاً بشأن هوية القاتل “كريم” (يوسف حداد). الحلقات الاخيرة مهدت لهذا التوقع. لم تحمل تلك الحلقة مفاجأة بهذا الصدد. ولكنها ابتعدت عن “الكليشيه” اذا جاز التعبير، في ما يتعلق بنهايات اخرى. فالتحري “جاد” (طلال الجردي) انفصل عن زوجته. خاتمة جاءت في محلها بالنظر الى طبيعة علاقتهما غير المنطقية. ولم يتحول “سامي” و”لينا” الى حبيبين او زوجين، تبعا للمتوقع. لصداقتهما مغزى اكثر اهمية تبعا للسياق الدارمي. اما “عامر” ففتح عينيه بعد غيبوبة طويلة. لم يجار عشيقته في نهايتها. عاد الرجل المافياوي الى الحياة، ولكن بانتظار عقاب آخر: السجن المؤبد، او الاعدام، كما جاء على لسان “لينا”. لكن “عامر” الزوج الخائن فقد استعادت “لينا” اعتبارها منه بطلب الطلاق. هكذا تصبح حياته او موته بالنسبة اليها سيان. وفي ذلك نقطة قوة.
من قال بأن رصيد الاعمال البوليسية تراجع مع الوقت؟ يمكن ان ننطلق من “تانغو” مثالا.
شاركنا النقاش