[sam_zone id=1]

ماهر منصور|

لطالما كنا نجادل في وقت مضى بأن صناعة الممثل تختلف تماماً عن صناعة النجم، اليوم ربما علينا أن نضيف أن صناعة الممثل تختلف أيضاً عن صناعة مادة للاستهلاك.

الموهبة في صناعة الممثل كانت وتبقى هي الأساس، وفي صناعة الممثل النجم لا بد أن نضيف إلى تلك الموهبة.. الكاريزما والحضور والذكاء الاجتماعي، إلى جانب التجربة العملية التي تصقل إمكانيات الممثل وتنمي وعيه الفني لدورٍ يؤديه، ويختبر من خلالها علوم الممثل التي درسها أكاديمياً أو عرفها من مصدر آخر، بالإضافة إلى إدراكه لأدواته الفنية في التعاطي مع الدور، وإخراج كل ما فيه من مخزون وجداني.

إن أسقطنا من صناعة الممثل النجم، الموهبة أو التجربة العملية أو كلاهما، نكون هنا أمام نموذج مثالي لصناعة النجم بوصفه مادة للاستهلاك، وهو ما ينطبق على ما يمكن أن نسميهم بـ”نجوم الغفلة” التي تصدرت أسماؤهم الأعمال التلفزيونية السورية في السنوات الأخيرة، والأعمال التي أنتجها منتجون عرب، وقدموا فيها وجوهاً سورية، جديدة وقديمة، بوصفهم “نجوماً”. وساعدهم في ذلك آلة الأعلام التي تتلقى وتنشر من دون أن تناقش، وتهافت معجبي صفحات النجوم التي غالباً ما تبدو مأخوذة بالشكل. بالإضافة إلى مهرجانات “البزار السياحي” التي تعطي جوائزها بأسعار تشجيعية… أما المردود الفني لهؤلاء فهو أقل بكثير مما يتم التسويق له.

والكارثة أن من هؤلاء النجوم من يمتلك موهبة حقيقية يتم إفسادها اليوم ضمن عمليات إعادة التأهيل النفسي والجسدي التي يخضعون لها، في عملية صناعة النجومية الجديدة الخالية من الدسم الفني. أعرف من هؤلاء ممثلة سورية موهوبة من الجيل السابق، منذ دخلت هذه اللعبة وهي تؤدي أدوارها كمن يقف أمام كاميرا مصور فوتوغرافي في جلسة “PhotoShoot”. ومؤخراً شاهدنا ممثلاً شاباً أكاديمياً وموهوباً يتصدر عملاً فنياً، من دون أن نتلمس في أدائه ما يكشف فهمه لفن الممثل، ويقدم خطته للتعامل مع الشخصية التي يؤديها.

ثمة حالة إفساد من نوع آخر لهؤلاء، تبدأ من صفحات التواصل الاجتماعي و(جلقة الفانز)، ولا تنتهي على منصات المهرجانات والجوائز. وهو ما شاهدناه من خلال مهرجانات تكرّم فنانين، كانوا الأسوأ بالتقييم النقدي وصعدوا على منصة التكريم بوصفهم الأفضل. ومؤخراً فوجئنا في قوائم الـ “موركس دور” بإسم ممثل شاب سوري مرشحاً لجائزة أفضل دور أول، رغم أن رصيده الفني لا يتجاوز ثلاثة مسلسلات قدم فيها شخصيات ثانوية بمشاهد معدودة، ومنها بطبيعة الحال المسلسل الذي رشح عنه لنيل جائزة أفضل ممثل!

يصدق هؤلاء اليوم أنهم نجوم، ينظرون إلى من سبقهم من النجوم الشباب مثل: تيم حسن وباسل خياط وباسم ياخور وقصي خولي ومكسيم خليل وسلاف فواخرجي وكاريس بشار وسلافة معمار وغيرهم من نجوم الصف الأول اليوم بوصفهم الند المنافس لهم، فيما ينظرون بنصف عين لعبقريات فنية مثل محمد حداقي وأحمد الأحمد.. ممن لم يحصلوا على الأدوار الأولى لأسباب مختلفة.

يتناسى هؤلاء أن الفنانين المتصدرين اليوم تدرج حضورهم في المشهد الفني، بمساحات وأدوار متعددة، وقد وقفوا أمام كبار المخرجين والممثلين وتعلموا منهم قبل أن يتصدروا المشهد، ولم يحدث أن وقف واحد منهم في موقع البطولة من حيث لا ندري. فحين قدم مكسيم خليل أدوار البطولة المطلقة، على سبيل المثال، وهو من آخر النجوم الداخلين نادي الصف الأول في الدراما السورية، كان ظهر قبلها في دورين بارز بمساحتين مختلفتين في مسلسلي “زمن العار” و”تخت شرقي”.

واستلزم عابد فهد شخصية مثل “جساس” لنكتشف أن موهبته الحقيقة وصلت سن النضح ليتصدى للأدوار الأولى ويغدو نجماً حقيقاً، وبالمثل فعلت سلافة معمار من خلال تقديم شخصيتها “بثينة” في “زمن العار”، فباتت “ورد” التي حفظنا حواراتها في “قلم حمرة”، وصارت لسان حالنا.

ورغم أن الفنان محمود نصر لعب شخصيتين رئيسيتين في مسلسلين ضخمين هما “تحالف الصبار” و”الأخوة”، إلا أنه نال نجومية الأدوار الأولى في “الندم” حين قدم عروة في العام 2016 بخبرة الممثل الذي شاهدناه ابتداء من مسلسل “ممرات ضيقة” في العام2007، وبطبيعة الحال كان من شأن أدوار قدمها مثل شخصية “أبو علي” في مسلسل “حدث في دمشق” أن تؤهله لنجومية “الندم”.

وحين نالت شكران مرتجى التقدير الذي تستحقه في مسلسل “وردة شامية”، كان ذلك انتصاراَ للموهبة التي تشكلت على مهل. وحين اجتمعنا كلنا على أداء مشهد واحد للشابة دانا مارديني في مسلسل “تانغو”، وانتابنا الحزن على موت “هناء” في “الندم”، كنا نصفق لموهبة اختمرت أحببناها في “سنعود بعد قليل” بشخصية “مريم”، وفي “الولادة من الخاصرة” بشخصية “حنين”. حتى حين اعترضنا على أدوار قصي خولي الأخيرة، كنا نعترض بلسان حال من خبر موهبته ممثلاً مختلفاً بشخصية “يعرب” في “تخت شرقي”، و”سامر” في “غزلان في غابة الذئاب”.

في كل مرة، كان هؤلاء النجوم وكثيرون ممن نفخر بهم في الدراما السورية يقدمون الأفضل بمعايير الفن وأحكام النقد والجمهور، وبالتالي استحقوا نجوميتهم الراسخة. خلافاً لمن يتملكه وهم النجومية التي يزداد إيمانه بها أمام المرآة، بعد أن تصنع شركات الإنتاج ظهوره انطلاقاً من صالة حلاقة، يتوخى صاحبها أن تتطابق صورة من يجلس على كرسيه مع صورة تنال على صفحات التواصل الاجتماعي ما نالته “بيضة الانستغرام”!

(الصورة: سلافة معمار في “زمن العار”)

في هذا المقال

شاركنا النقاش