فاتن قبيسي
بعد أسبوع من العرض، يبدو جلياً أن مسلسل “النار بالنار” ( إنتاج الصباح اخوان، قصة رامي كوسا، إخراج محمد عبد العزيز) يتميز بنقاط قوة. أبرزها الجرأة في تناول موضوع حساس، يتعلق بالوجود السوري في لبنان.
هذا الموضوع لا يخلو من خطورة، بسبب: اولاً تاريخ التعاطي السياسي السوري في لبنان خلال الحرب الأهلية، وثانياً وجود اللاجئين السوريين في لبنان منذ بدء الأزمة في بلادهم وحتى اليوم، وإنقسام آراء اللبنانيين حول هذين الملفين.
ويفترض، نظرياً، ان يكون التعاطي مع الملفين من قبل أي كاتب درامي كمن يسير بين الالغام. فالموضوع يتطلب واقعية ودقة وتوازناً وسبر لأغوار العقلية اللبنانية والسورية على حد سواء. كما يستدعي بالوقت ذاته ضمان العرض حتى النهاية، في ظل إحتمال سماع أصوات من هنا او هناك، تطالب بوقف العرض.
لكن مشهداً واحداً مرّ الى اليوم، كان كفيلاً برفد العمل بقوة دفع كبيرة. هو مشهد يختصر الكثير، ويتضمن حواراً مقتضباً بين “عزيز” (جورج خباز) و”مريم” (كاريس بشار)، يقوم على تكثيف زمن القضية الطويل، والمشاعر المتضاربة بين لبناني من جهة، يحنق على السوريين بسبب اختطاف والده (اثارة قضية المخطوفين في سوريا من خلاله)، ويرفع لافتة تحظّر على اللاجئين السوريين التجول بعد الثامنة مساء، وبين لاجئة سورية من جهة أخرى، تحمّل اللبنانيين مسؤولية استدعاء السوري خلال الحرب لفض النزاعات الأهلية في ما بينهم.
المشهد يختزن آلام وثورة مكبوتة لدى “عزيز”، كما يصوّب البوصلة، على لسان “مريم”، بضرورة فصل تاريخ الوجود السوري في لبنان عن قضية اللاجئين اليوم، وأخذ الحساب القديم من أصحابه وليس من العامة. حيث يقول فيه “عزيز”، المتألم، لمريم المعترضة على رفع اللافتة:
-“ماضيكن معنا بشع، وحاضركن على أبشع، انا محلك بحطّ راسي بالارض”.
مريم: “اولاً، مو نحنا اللي جيناكم بكيفنا، انتو بعتّو ورانا، تانياً، لولانا كنتو هبّرتو بعض”.
-عزيز: بعتنا وراكم على أساس قوات ردع عربية، صار بدكن مين يردعكم. قعدتو عنا 30 سنة . بعدين لما خلصت الحرب، بقيتو “ميطقين” على قلبنا متل الكابوس. شو بتعرفي عن المدفون؟ عن ضهر البيدر؟ عن عنجر؟ انتي شي مرة قاعدة على ربطة الخبز، لما يقشطك ياها أبو سن ذهب عالحاجز؟ كنا اذا أخدنا نفِس، يشلّحونا نصّو.. الك عين تحكي؟
– مريم: ما بدها كل هالموشحات، إحمل حالك وإنزل عالشام، وورجينا المراجل، وشوف مع مين إلك تار”.
-عزيز: ما بدي انزل عالشام، روحي انتي عالشام، وخدي كل كلاكيشك..
هذا المشهد أثار الجدل على “السوشيل ميديا”، حيث اعتبر البعض أنه يصب الزيت على النار، لكن الارجح انه صبّ الماء، ذلك لأن القضية يجب وضعها اولا على الطاولة، وهذا ما فعله “النار بالنار”، معتمداً على المكاشفة الصريحة، بلا اقنعة يفرضها احياناً صناع الدراما، كما يقدم مقولة جريئة للمرة الأولى في القضية المتناولة، متحرراً من هاجس الاحكام بالعنصرية، بانتظار القادم من الحلقات التي قد تكشف مسارا آخر. الأمر الذي يضع هذا العمل في مصاف المسلسلات المتقدمة رمضانياً، على الرغم من رتابة السرد أحيانا، وغياب التشويق في الحبكة في الأسبوع الأول، بإنتظار الحلقات المقبلة التي قد تكون نابضة اكثر بالأحداث.
وًيحسب لشركة “الصباح إخوان” خوضها في المحظور، وترفع القبعة للممثلين. كذلك تجدر الإشادة بحسن إختيار البيئة المكانية للعمل وتأهيله على نحو موفّق، حيث أن الحيّ مدروس، وتفاصيله مُعدة بإلمام.
“النار بالنار” من بطولة عابد فهد، كاريس بشار، جورج خباز، طارق تميم، زينة مكي، طوني عيسى وغيرهم. قصة رامي كوسا، كتابة ورشة كتابة الصباح.
- تعرضه lbci في الثامنة والنصف مساء، ومنصة “شاهد”.
شاركنا النقاش