دمشق: آمنة ملحم |
خارج إطار المنافسة الدرامية الرمضانية، انطلق مؤخرا عرض مسلسل “ما فيّي” عن نص للكاتبة كلوديا مارشيليان واخراج رشا شربتجي، وانتاج “الصباح للانتاج الفني” عبر محطتي “mtv” اللبنانية و”أبو ظبي”.
العمل بتيمته الرئيسية اجتماعي رومانسي، تنطلق حكايته مع سر احتفظت به نادين خوري “زكية” الخالة المتزنة، لأكثر من عشرين عاماً، لتفجره إثر مرضها بوجه ابنيّ اختها اللذين تولت تربيتهما بعد موت أمهما، فأشعلت به شرارة الانتقام في صدر الابن “فارس” (معتصم النهار) بعد اكتشافه أن رحيل والديه عن الحياة، كان وفق ما أذيع بجريمة قتل ارتكبها الاب بحق أمه ومن ثم انتحر..
تبدأ أحداث العمل فعليا مع وصول “فارس” واخته “ديمة” (روزينا لاذقاني) الى الضيعة اللبنانية قادمين من الشام، بحثا عن سر وفاة والديهما “عادل وسوسن”، ورغبة من “فارس” بالانتقام واعادة الحياة للبيت الذي كانت تقطنه العائلة، وهو ورثة للخالة “زكية” من زوجها اللبناني، شقيق بيك الضيعة “ابو فوزي” (احمد الزين).
انطلاقا من مدخل الحدوتة، كان من المفترض أن يجد المتلقي نفسه أمام عمل يضج بالتشويق، الأمر الذي لم يحصل، سوى في مشاهد متناثرة في الحلقات الاولى مرت عبر وقفات عاشها “فارس” من اختلاط للذكريات في ذهنه، بينما بدت الأحداث مكشوفة المصير، فلم يكن المشاهد بحاجة للتنبؤ أو فتح باب احتمالات للقصة. فمع اللحظة الأولى لرؤية عائلة البيك وتحديدا ابنه “فوزي” (بيار داغر) لابنة سوسن الشديدة الشبه بها ودخوله في أزمة قلبية لرؤيتها، بات توقع كل ما هو آت مهمة في غاية السهولة، فلا تشويق يذكر، بل رتابة ومطمطة في الأحداث مع غياب الذروات عن الثلث الأول من العمل المؤلف من ستين حلقة، فلم نكن على موعد سوى مع أحداث دائرية تلتف حول نفسها في طريق واضح الملامح، من دون جديد يستحق الوقوف عنده الى الآن .
وأهالي الضيعة كان لهم حصة مع انطلاقة العمل عبر حادث سير، تعرض له ثلاثة من اطفالهم دهسوا بسيارة حفيدة البيك الصغيرة “يمنى” (زينة مكي) مدمنة الكحول والمخدرات.
ذلك الحادث الذي كان مدخلا للقاء شخصيات العمل الرئيسية مع بعضها البعض، أثار ثورة أهالي الضيعة بأكملها مع جنازة طفل لقي حتفه أثر هذا الحادث، بمشاهد ضجت بألوان الرهبة من الحدث، وأوحي بأن شرارة ثورة الغضب هذه ستنال من البيك وعائلته، إلا أنه سرعان ما بدا جزءاً مهملاً من الحكاية، بل وغابت شخصيات الضيعة عن الحكاية ولم يبق منهم إلا من بات على صلة بابني “عادل وسوسن”، وكأن اهالي الضيعة مجرد كومبارس ظهروا واختفوا، وكأن ألمهم ومقتل طفلهم لا قيمة له سوى بحدود عدة مشاهد قليلة، ولم يعد لهم ذكر سوى على لسان الأبطال الرئيسيين في العمل لخدمة ظهورهم وإكمال مسار حكاياتهم . وفيما لم نشهد تمهيداً مقنعاً لقصة الحب الرئيسية في المسلسل التي جمعت بين “فارس” و”ويسما” (فاليري ابو شقرا)، بدت ظلال المسلسلات التركية مخيمة عليها.
العمل في ثلث حلقاته الأولى بدا يعاني من بطء في الأحداث وعدم تصاعدها، فما زالت الشخصيات تراوح مكانها لملء ستين حلقة درامية بحكاية ابتعدت إلى الآن عن المنطقية، ولم تستطع بعد جذب المشاهد الى الاجواء الرومانسية، كما لم تلبس ثوب التشويق أو الإثارة..
ورغم ان العمل معاصر، فإننا نرى فيه البيك المسيطر على الضيعة. فالشام تعيش الحرب وفق حديث شخوص الحكاية، بينما الضيعة اللبنانية ما زالت تعيش عصر البيك وسطوته كحال زمن الاقطاع الذي ولى، الأمر الذي يغيّب المنطقية في التعاطي مع الزمن، دون تبرير لخلط لعبة الازمنة، وكأننا امام ساعة رملية توقف هدير رمالها عند حدود الضيعة، ومضى مكملا الدرب خارجها!
على صعيد الأداء، تبدو “يسما” الفتاة العائدة من باريس، ذات شخصية قوية، وفق ما تنطقه ولكنها ضعيفة فيما تتصرف، حيث لم تتخذ ردات فعل واضحة في حالات تستوجب الانفعال مثلا في مواجهتها لجدها البيك، بل يغلب عليها لون الجمود أحيانا، فهي تتكلم، ولكن لا تتفاعل بأسلوب مقنع، كما أننا لم نشهد إدارة حقيقية للشخصية باتجاه واضح، بل انها تراوحت بين القوة والضعف، مع أن القوة هي السمة الرئيسية لشخصيتها وفق مسار الحكاية.
في المقابل، بدت سطوة حضور الفنان القدير احمد الزين واضحة، فدور الشر متقن بحرفية عالية في الأداء وتقمص واضح للشخصية والى أبعد حد، الأمر الذي جعله عنصرا جذابا ومحركا لتفاصيل العمل. ورغم شره فالانظار تلاحقه بانتظار ردات قعله القاسية، حتى مع اقرب الناس له، فكيف مع من يراهم اعداءه؟
والى جانبه نجد معتصم النهار متقنا لفن اللعبة، متقلبا بين ماضيه وحاضره، منفعلا تجاه ما يخص عائلته، وعاشقا متحمسا لدقات قلبه رغم أنه يدعي العكس امام عائلته.
وبرعت زينة مكي في الاداء وتخلت عن ابسط الوان المكياج لصالح شخصية تتابع ادق تفاصيل تحركاتها، لتبدو حقيقية كمدمنة للمخدرات، من دون تصنع.
أما شخصية “فوزي” بيار داغر والذي من المفترض انه عمود اساسي في الحكاية، فقد نحيت في الحلقات الاولى ليبقى حبيس فراش المستشفى على مدار 17 حلقة، الامر الذي بدا بعيدا عن المنطقية والاقناع، وكأنه ضيف على تلك الحلقات لا اكثر .
وفي ما يتعلق بالإخراج، فقد حملت الصورة التي نقشتها رشا شربتجي تميزا لافتا، لا سيما في الانتقال السريع مع الذكريات بين الماضي والحاضر بلقطات تجعل المشاهد يعيش التخيل مع الشخصية على الشاشة، وكذلك ما بين المدينة والريف في محاولة للقبض على تفاصيل الطبيعة وألوانها الهادئة، لخدمة جو الرومانسية المقترح .
وككل عمل درامي، يكون للتتر المطروح حظوظه من نجاح العمل، لنراه أحيانا مدخلا لذلك النجاح، تماماً كما حصل هنا، حيث حظي التتر منذ اطلاقه قبل العرض (من كلمات وألحان وتوزيع اياد الريماوي، غناء نيرمين شوقي وبلال الجندي) بحصة الاسد من المتابعة عبر “السوشيل ميديا” و”انغامي”.
هناك ثلثان قادمان من الحدوتة ربما سيطرحان أحداثا متجددة تلغي وقع الثلث الأول الرتيب، أو تكمل على نفس الطريق بحكاية ظهرت مبتورة اليدين منذ الحلقات الأولى.
شاركنا النقاش