كوبا رشيد|
منذ الحلقات الأولى يتمكّن المخرج والمؤلف تامر محسن من جذب الجمهور إلى لعبته وتوريطه في “لعبة نيوتن” بحماس كبير، من خلال لغة سينمائية مكثّفة وغنيّة بالتفاصيل، وإيقاع سريع منضبط يتناغم مع الحالة النفسية لبطلي المسلسل، ليضع المشاهد في حالة ترقب وقلق دائمين، ما ينمّ عن ذهنيّة عمل حرفيّة منفتحة ومواكبة للسينما العالميّة.
كلّ حلقة من هذا العمل هي بمثابة فيلم قصير. يحرص صاحب “هذا المساء” (2017) دائما على تقديم العمق في الطّرح والمتعة في الفرجة . في “لعبة نيوتن” نحن أمام شخصيّات من لحم و دم، تعيش صراعات وعقدا داخليّة وخارجيّة تتشابك ضمن حبكات دراميّة متقنة الصنع، تقدمها ورشة من كتاب السيناريو بقيادة مها الوزير.
يطرح العمل إشكاليّة التملّك والندّية في الحبّ والعلاقة الزّوجيّة من خلال حبكة دراميّة، علاقة “هنا” (منى زكي) و”حازم” ( محمد ممدوح) تتقاطع مع حبكة ثانية تذكّر بالسّجال القانوني والفقهي حول الطلاق الشفهي، من خلال علاقة “هنا ” مع “الشيخ مؤنس” (يؤدي الشخصية ببراعة محمد فرّاج )، وحبكة ثالثة ذات بعد فلسفي للحبّ والتملّك، من خلال علاقة “بدر” (سيد رجب) و”أمينة” (عائشة بن أحمد). استطاع صنّاع العمل ببراعة توظيف هذه الحبكات في خدمة الفكرة الرئيسيّة التي تتبلور في الحلقة الـ 24 في مشهد المواجهة بين “هنا” و”حازم”. ومفادها أنّ أخطر ما يصيب العلاقة ويهدّدها بالانهيار هو التّعامل على أساس الندّية وإثبات الذّات، فيصبح الطرف الآخر بمثابة المنافس وليس الشريك، وردود الأفعال الحادّة والمفاجئة تتابع في تصاعد درامي مشوّق . “لكلّ فعل رد فعل مساوٍ له في القوّة ومضادّ له في الاتّجاه”. قانون نيوتن الثالث الذي اعتمده المخرج واستوحى منه عنوانا للمسلسل كما صرّح سابقاً.
بعد غياب خمس سنوات، تعود نجمة “أفراح القبّة ” (منى زكي ) إلى الدّراما التلفزيونيّة بأدائها العالي المستوى، فتدهشنا في شخصية “هنا” المهندسة الزّراعية التّي تقرّر مع زوجها “حازم” (محمد ممدوح) إنجاب طفلهما في أميركا طمعا في الجنسية الأميركيّة وتأمين الحياة الأفضل له. فتبدأ الرّحلة بسفر “هنا” إلى أميركا بذريعة حضور مؤتمر زراعي لتبقى هناك بطريقة غير شرعية، على أمل لحاق “حازم” بها. لكن الظروف تحول دون ذلك، فتواجه مصيرها وحدها وتصرّ على البقاء وإنجاز مهمتها في تحدٍ منها لزوجها وإثباتاً لذاتها التي أمعن زوجها في التّقليل من شأنها كما يظهر لنا منذ الحلقات الأولى عندما قال لها “دا انت بتغرقي في شبر مية.. ومش حتقدري تعملي دا لوحدك”، في إشارة منه لتبعيتها له وتفوقه عليها.
يحسب للمخرج أيضا اختياره الموفق للممثلين، خاصة منى زكي التي استطاعت بحرفية شديدة وحبّ واضح للعمل أن تجعل المشاهد يتعاطف معها تارةً ويغضب منها تارةً أخرى. ومحمد فرّاج الذي أبدع في تجسيد شخصية معقدة وصعبة ذات غموض وتناقض وصراع داخلي في محاولة للظهور بمظهر الشيخ الجليل الخلوق، بينما يستغل الخلاف بين “حازم” و”هنا” من جهة وحاجة “هنا” لدعمه في حضانة طفلها من جهة أخرى، ليحقق رغبته في الوصول إليها عندما يخفي رسالة حازم عنها. كما يستغل الدين والشرع لتحقيق مصالحه الذكورية متجاهلا مشاعر زوجته التي تتظاهر بالرضا وقبول زواجه من “هنا” لتطلب الطلاق لاحقاً.
محمد ممدوح أيضا يجسد بصدق وإحساس عال شخصية إنفعاليّة عاطفية، لديها عقدة إثبات الذّات ناتجة عن إحساسه بالفشل والإحباط بسبب التوبيخ السابق من الأهل ومقارنته بتفوق أخيه، هذه العقدة تتمثل في علاقته مع زوجته وفرض سيطرته عليها وتملكه لها. ولكن يؤخذ على محمد ممدوح فقط جانب الإلقاء وعدم وضوح مخارج الحروف في بعض المشاهد. ولا ننسى أيضا الأداء الرائع لسيد رجب في شخصيته الغامضة “بدر”، ومن خلال هذه الشخصية وعلاقتها بـ” أمينة” (عائشة بن أحمد ) وباقي الشخصيات يطرح العمل فكرة التملك والتعلق في الحب، هل من الممكن للحب أن يكون حرّا دون قيود؟ هذا ما يريد “بدر” إثباته ويبدو أنه يفشل في النّهاية.
يذكر أنّ العمل كان من المفترض عرضه في رمضان 2020 إلا أنّ ظروف انتشار كورونا حالت دون استكمال التصوير، ليتأجل العرض إلى الموسم الحالي في رمضان 2021.
شاركنا النقاش