[sam_zone id=1]

دمشق: سامر محمد اسماعيل|

كل المحاولات التي بذلها مديرو التلفزيون السوري في دورات برامجية سابقة لإخراج هذه المؤسسة من “المونولوجية”، أو ما يعرف بـ “خطاب الذات الإعلامي”، لم يُكتب لها النجاح. فهذه المعضلة تفاقمت في سنوات الحرب، لتشهد نوعاً من التطابق بين البرنامج والتلفزيون بحد ذاته، اذ اننا نلاحظ كيف يقوم موظفو الهيئة العامة للتلفزيون بمحاورة بعضهم البعض على شاشته، فموظفو الإذاعة يلتقون بموظفي التلفزيون، وهؤلاء يتحاورون أو يحتفون ببرامج زملائهم!

برنامج “كلام كبير” لمقدمه عماد جندلي، الذي حاول ان يخرج عن هذه القاعدة، من خلال النقد الساخر وعدم الترويج للذات الإعلامية، لم يتمكن من الخروج من جلباب التلفزيون السوري ايضا. اذ ان انتقاداته صبت كلها في مرماه. وكأنه يصعب الاطلالة الإعلامية خارج هذا الصرح الرسمي. فقد انتقد في حلقته السابقة برنامج “صباح الخير” على الفضائية السورية، مورداً مقاطع من البرنامج، ساخراً من قدرات زملائه المهنية. وفيما خرج من دائرة “التمجيد” لبرامج تعرض على هذا التلفزيون، الا انه وقع في فخ الفوقية و”تمجيد” الذات كعارف في قواعد الاعلام المرئي. وكأن “كلام كبير” يريد فقط ان يقلّد أسلوب قنوات رأسمالية عربية، تميزت ببرامج “التوك شو”، من مثل اللبناني “هيدا حكي” لعادل كرم، والمصري “البرنامج” لباسم يوسف، علما ان الأخيرين مزجا بمهارة بين الإعلام والـ”ستاند أب كوميدي”.

لا يكتفِ “كلام كبير” لمعدّه أدونيس شدود بالسخرية من برامج التلفزيون الذي يعمل لصالحه، بل يعمل على تمويه آخر في التعاطي مع قضايا كبرى، من باب التراشق السياسي والسخرية واللعب على الألفاظ بأسلوب سمج يحاول الجندلي صبغه بخفة دم مصطنعة وباستيراد أغانٍ من قاع المجتمع السوري برفقة “دي جي”. ويعتمد في ذلك على جمهور ضئيل في الأستوديو يكتفي المخرج أمجد الحسن بأخذ لقطات له من الخلف من دون اظهار وجوههم، وبإيعازات واضحة لهذا الجمهور”المبرمج” بالتصفيق والضحك والهتاف، بإشارة تبدو واضحة من الجندلي نفسه!

ربما يعكس الشكل الذي اختاره “كلام كبير” أسلوباً جريئاً في التعاطي مع طبيعة الإعلام الجديد، ورغبة القائمين عليه في كسر خشبية الخطاب الإعلامي الوطني، لكنه وبدلاً من ذلك، تراه يغرق في استعارة فقراته من صفحات نشطاء على “فايسبوك” معيداً إنتاجها بطريقة معقّمة ومفلترة رقابياً، حيث لم يشق “كلام كبير” عصا الطاعة للرقابة الصارمة، بل يؤكد عليها ويعلي من شأنها، ممتطياً شعارات وطنية يمررها مقدم البرنامج كما يحلو له، خالطاً إياها بانتقاده لأسعار الفروج وساندويش الشاورما والدراما التلفزيونية!

الغريب في “كلام كبير” أيضاً أنه يعكس إرادة في تغيير الفكرة عن إعلام رسمي تخلى على ما يبدو عن مشروع “تمكين اللغة العربية” وعكس “هموم المواطن”، متجهاً بقوة نحو إعلام ليبرالي ريعي، مما يزيد من “شيزوفرينيا” أصيب بها مؤخراً. فلا هو إعلام الدولة والمجتمع، ولا هو مؤسسة إعلامية خاصة تسعى لاستقطاب معلنين. بل هو مزيج من التأميم والخصخصة المرتقبة في خطط حكومية مقبلة، يكون فيها المواطن عبارة عن جمهور مطبّل لا ملامح له، فيُصوّر من ظهره!

(نقلا عن “الاتحاد”)

في هذا المقال

شاركنا النقاش