[sam_zone id=1]

طهران: فاتن قبيسي|

بين جدران اربعة تضم اشخاصا خمسة تُختصر القضية الفلسطينية، وفي ليلة واحدة يُختصر زمنها البالغ عدد سنوات الاحتلال. هذا من حيث دلالات المكان والزمان المعتمدين في فيلم “كتابة على الثلج” للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي. الفيلم الذي عرض اكثر من مرة في “مهرجان الفجر السينمائي الدولي” المقام حاليا في طهران.

في اطار من التكثيف، يوصل مشهراوي الرسالة. انها قضية الانقسام الداخلي اولا. الحوارات بين الابطال الخمسة تفضي الى الشرخ الموجود في الجسد الفلسطيني الواحد. يُحاصر هؤلاء في منزل (غسان مسعود) هربا من القصف الجنوني على قطاع غزة. القصف لم يخلق اللحمة بينهم، والخوف من الموت لم يقرب المسافة بينهم. نصّب نفسه احدهم (عمرو واكد)، وهو متزمت دينيا وسياسيا، “اميرا” على اصحاب البيت، يتحكم بهم، ويملي عليهم قراراته في السلوك والملبس. النزاع كان سمة هذا اللقاء الجماعي، بل التخوين ايضا. هكذا راح الرجل المتزمت يشكك بالشاب المصاب (رمزي مقدسي)، ويتهمه بالعمالة. ويقذف تهمة التقصير بوجه المناضل السابق (مسعود).

الاشكالية المطروحة هي ان كلٍ من الاطراف، على اختلاف اتجاهاتها، يعتبر نفسه اكثر وطنية من غيره. في ظل استسهال تخوين الآخر. اشكالية اكثر ما تنطبق ايضا على لبنان. ذاك البلد الذي يعتقد كل طرف فيه بأنه على حق، وانه الوحيد الذي يضحي من اجل الوطن!

انه اذن الخلاف على قضية الانتماء قبل اي شيء آخر. نلهو في صراعاتنا الداخلية على حساب القضية الكبرى. نتحارب في الداخل وننسى العدو الخارجي. فيقع الانقسام وتتشتت الطاقات ويغيب التكتل والوحدة. وقد حمل الفيلم دلالة على ذلك من خلال الساعة التي كان لا ينفك المناضل السابق يحاول تصليحها بلا جدوى، وكأن الزمن تجمد فيها عند العام 1948 تاريخ نكبة فلسطين.
هكذا نجح مشهراوي في اختصار فلسطين المحتلة بمنزل صغير، وفي تجسيد الصراع بين سلطتي غزّة ورام الله داخل جدرانه.

غير ان اسقاط هذه المقولة لا ينحصر على الداخل الفلسطيني او غيره من الدول العربية، بل انها تنسحب ايضا على الامة العربية ككل. هنا ايضا يبلغ الانقسام حدا مأساويا. واختيار مشهراوي لابطاله الخمسة من مختلف الجنسيات العربية ربما هي رمزية تفضي الى هذا التلميح.

الفيلم يعتمد اسلوبا تبسيطياً في ايصال فكرة سياسية بليغة. المشاهد في “اللوكيشين” الاساسي (المنزل) لا تعتمد على اسلوب لافت في التصوير. وكذلك مشاهد القصف من الناحية التقنية، فهي تخدم الفكرة ليس اكثر. فالعمل لا يركن الى مستوى فني استثنائي. الفكرة هنا هي الاقوى.

ثمة عامل آخر يضمر القوة ايضا، ويتمثل بمستوى أداء الابطال، فقد برع الفنان المصري عمرو واكد في تقمص شخصية المتشدد دينيا والمتوتر في علاقاته، وفي اتقان اللهجة الفلسطينية، كما اجاد الفنان السوري غسان مسعود بدوره، الى جانب كل من الفلسطينية عرين عمري، واللبنانية يمنى مروان، والفلسطيني رمزي مقدسي.

غير ان المشهد الاخير الذي تُقصف فيه سيارة الاسعاف، التي كانت تحاول اسعاف المصاب ( عمرو واكد)، يعطي انطباعا للوهلة الاولى بأن بترا ما قد اصاب سياق الفيلم. في ذروة المتابعة تنتهي الاحداث فجأة. ربما كان المتوقع اكثر.. نهاية غير ملتبسة ربما، كما بدت للحظات. لكن سرعان ما تصل الفكرة عندما يتم ربط مفاصلها:
“يجب ان ننتظر” قال (مسعود) خاتما، كمن يعطي املاً بوحدة الصف الفلسطيني. ففي ظل التشرذم، ترتفع وتيرة الاستهداف الاسرائيلي (عبر قصف سيارة الاسعاف)، وتبقى القضية الفلسطينية مفتوحة بلا سقف زمني.. هكذا سقطت الساعة من يد صاحب المنزل على وقع جنون القصف.. فالساعة التي كانت تعود عقاربها الى الوراء، لن تتقدم ما لم يُعالج الخلل الداخلي!

هكذا يجعل الانقسام والتعصب الديني ونبذ الآخر من القضية الفلسطينية، كتابة على الثلج الآيل.. للذوبان!

في هذا المقال

شاركنا النقاش