[sam_zone id=1]

وردنا من سامي فاخوري قراءة حول فيلم “الملاك” الذي يعرض على منصة “نتفلكس” من خلال المقال الآتي:

أنتج موقع “نتفليكس” Netflix فيلما تلفزيونيا خاصا بالعميل المزدوج، المصري الجنسية، أشرف مروان تحت عنوان ” The ANGEL” (الملاك).
يصل “أشرف مروان” إلى روما، يسلم مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين قواذف ب7 للقيام بعملية إسقاط طائرة تابعة لشركة “العال” الصهيونية، التي تقل مستوطنين قادمين من روما إلى فلسطين المحتلة. ويتم قطع المشهد الذي يتم تصويره وكأنه عملا “لاإنسانيا” فيما الفدائيون يسددون قواذيفهم باتجاه الطائرة وهي تبدأ بالتحليق.

ينتقل الفيلم 3 سنوات إلى الخلف في الزمن، ليفتح على مشهد – أكذوبة، حيث يجتمع الرئيس الراحل عبد الناصر، مع نائبه السادات ومدير مكتبه سامي شرف وآخرين، مع ديبلوماسيين آجانب ويكون معهم صهره المدعو أشرف مروان زوج ابنته منى (روح قلب الرئيس على حد تعبيره أمام الناس كلها)، فعبد الناصر لم يزر بريطانيا أبدا.

وينتهي الفيلم بأكذوبة أخلاقية وفكرية وسياسية كبرى ثبت بطلانها. وهي أن أشرف مروان الذي “أنقذ آلاف الابرياء” من جنود وضباط جيش الحرب الصهيوني نتيجة كشفه لسر بدء حرب أكتوبر المجيدة بتضحيات جنود وضباط وأبناء الشعبين العربيين السوري والمصري. هذا الـ”أشرف مروان” قبض مبلغاً كبيراً من المال نتيجة كشفه لهذا السر…. لينتهي الفيلم بقول “أشرف مروا ن” أنه وصديقه الحميم عميل الموساد داني (أليكس هو الاسم الحقيقي كما تقول رواية الفيلم) قد قدما خدمة جليلة لـ”وطنيهما” من أجل تحقيق “السلام” بينهما، وذلك بعد مشاهد “مؤثرة” عن خطاب السادات في الكنيست الصهيوني.

يستكمل مخرج العمل مشهد الاجتماع المنعقد في السفارة المصرية الافتراضي في لندن بمنطوقين:
1-أن أشرف كان صاحب وجهة نظر، بضرورة عدم الاعتماد على السوفيات وأن المستقبل هو العلاقة مع الولايات المتحدة “لأن النظام االشتراكي ليس قابلا للحياة” على حد تعبيره…. وعلى حد علمنا فإن أشرف المعاقر للخمر، وصاحب العلاقات النسائية المتعددة، ولاعب القمار المحترف، لم يكن مفكرا ومحللا عميقاً بقدر ما كان انتهازياً مقتنصاً لفرص الصعود على سلالم السلطة.


2-وتأتي المفارقة الثانية في تصوير عبدالناصر حاكماً مستبداً (على عادة الغرب عندما يشيطنون قائداً وطنيا) ومعاقرا للخمر، علما ان كل الروايات التي صاحبت سيرة هذا القائد ، تثبت كم كان متواضعاً ً في حياته مثله مثل أي مواطن مصري عادي الذي لا يحب سوى الجبن الرومي والعيش المصري والشاي الاحمر المختمر باعتبارها وجبة عشاء دسمة بالنسبة له على حد تعبير الراحل محمد حسنين هيكل.

جميل ذلك الحوار الذي يدور بين “صاحب الرؤية التقدمية المستقبلية” أشرف مروان وزوجته منى حول موقف والدها الرئيس الراحل ناصر. حيث يحاول الكاتب والمخرج أن يجذبنا “إنسانياً” ناحية موقف أشرف وزوجته في مواجهة موقف “أبيها المستبد” ناصر!!!! ولماذا هو مستبد؟ لأنه يريد تطليقها من حبيبها أشرف، زير النساء والمقامر و”الخمرجي”… تصوروا كم كان راحلنا القائد الكبير مستبداً، كان عليه القبول بالانتهازي وسط عائلته وإلا فهو مستبد؟؟؟
وليس فقط كذلك، فعبد الناصر باني مصر المعاصرة والتي تآمر كل من السادات ومبارك على تدمير قطاعها العام الذي راكم خلال فترة حكمه 118 مليار دولار بالسعر الثابت آنذاك، رجل ” ثبت فشل إدارته للدولة وهو عنيد وصاحب فلسفة قديمة ثبت فشلها” على حد تعبير كاتب السيناريو الصهيوني .. .. هكذا بات “أشرف مروان” صاحب وجهة نظر، “محباً” لزوجته وابنه جمال مروان (ابنه الذي، عندما كبر وأصبح مشروع رجل قام بعمليات احتيال كبرى في قطاع الميديا في مصر وعليه دعاوى وديون متراكمة لاصحاب حقوق تقدر بمئات الملايين من الدولارات). وبات مدير مكتب الرئيس الراحل سامي شرف خانقا له عندما يلاحقه أفراد المخابرات المصرية ويصورونه في خمارات لندن ومجالس القمار فيها.!! فقط لأنه حاسد لشخصيته الساحرة للنساء. .


3- يتم اغتيال الرئيس الراحل عبد الناصر، في لحظة سهٍو من لحظات الزمن، عندما ينشغل ناصر والكاتب الراحل هيكل في مشاهدة منظر النيل البديع (وهو الرئيس الذي أفنى عمره وروحه من أجل مصر وأمة العرب والانسانية)، بينما يهرع السادات ليعد له فنجاناً من القهوة “على كيفك يا معلم” كما قال السادات. ويتم استدعاء منى وزوجها إلى القاهرة. وهناك وأثناء تقبل العزاء (والمضحك في مشهد العزاء، وكأن الذي توفي باشا من باشوات مصر والعزاء في فيلته villa الفخمة، وليس كونه قائد الامة وزعيمها الذي خرج في جنازته ما يزيد عن خمسة ملايين مواطن مصري وعربي ( فينسل الانتهازي “أشرف” إلى غرفة مكتب القائد جمال عبد الناصر، ليسرق منها إحد الملفات الذي يشير إلى فساد سامي شرف، والمحفوظ في جارور مكتب الرئيس) وكأنه يقول لنا أن الرئيس يعلم بفساد مدير مكتبه، ويغطيه!

4- فجأة، ولا ندري كيف ولماذا، يقع خلاف السادات مع شعراوي جمعة وسامي شرف والفريق محمد فوزي ألخ…، وكذلك فجأة نرى “أشرف” يقدم ملف إدانة “سامي شرف” إلى السادات الذي يهنئه على فعلته ويعينه مكان الشخص الذي غدر هو به… ويتم اعتقال الجميع (بمن فيهم سامي شرف الذي قبع في السجن مدة 10 سنوات)، ويصير “الخمرجي” المستشار السياسي واألمني للسادات في سنة 1970″ تكريماً” له على فعلته.

5- يكلف السادات أشرف مروان بمحاولة اقناع القذافي بمساعدته في موضوع إمداد مصر بالنفط قبل الحرب، والمضحك في الامر، استخفاف Netflix (وهي خدمة فيديو عند الطلب ) بعقولنا، عبر إطلاقها صورة للقذافي كمجنون وزير نساء وتحميه مقاتلات من النسوة، في لقاء يعود تاريخه إلى فترة سابقة لتاريخ إسقاط طائرة الركاب المدنية التابعة للخطوط الجوية الليبية في شباط/فبراير 1973 ، وهو يناقش اشرف مروان بالكتاب الاخضر، علما أن القذافي لم يطلق نظريته إلا في عام 1975 أي بعد حرب اكتوبر 1973 . وهو نوع من أنواع البروباغاندا التي تمارسها وسائط الاعلام الغربية بحق كل القادة الذين يناوؤن سياساتها (بغض النظر عن تقييمنا للقذافي نفسه).أهمية هذا المشهد، أنه يتم غسيل “ملابس أشرف النسائية” ليصبح رجالً “مش بتاع نسوان” ولا يهتز لجميلات ليبيا!!! ما يعني أن في رأس هذا الرجل شيء آخر، فلا هو بتاع نسوان، ولا هو عميل من أجل المال (على الرغم من تلقفه دون تردد أو َوجل أو حياء لكل ما تلقاه من الصهاينة من أموال طائلة)، بل سيجعله كاتب السيناريو “نبي القرن العشرين” ويصبح صاحب قضية هدفها…. تقديم “خدمة داني جليلة لوطني داني (الموسادي) وأشرف ( المستسلم).


6-يعيدنا الفيلم إلى المشهد الذي تم قطعه، لنرى المدعو “أشرف” وهو يقوم بسحب إبَر القاذفين الصاروخيين B7 اللذين جلبهما معه إلى روما لكي لا يتمكن الفدائيون من تنفيذ العملية، “مثبتا” لأسياده من الموساد الصهيوني، أنه قد أنقذهم من مجزرة سماها: “إنسانية” بحق مستوطنين قال عنهم أنهم “أبرياء” تعبيراً عن صدقه تجاههم، ليكسب ودهم بعد أن أربكهم عدة مرات نتيجة إنذارات كاذبة لموعد بدء الحرب بين مصر وكيان العدو، دون أن ننسى أنه قد قدم لهم المعلومات الكاملة عن “أبوعلي حسن سالمة” تعبيراً عن حسن نواياه، فيكون قد سلمهم قائدا أمنيا من جماعة أبوعمار، والخلية الفدائية عربون عمالته لهم.


كلف هذا الفيلم منصة نيتفلكس 12 مليون دولار أميركي. وتصادف إطلاقه مع ذكرى حرب اكتوبر المجيدة، ولكنه كان رواية سياسية وفقا لرواية صهيونية تبتها المنصة. الا أن الفيلم أغفل الكثير من المسائل:


1-كتب وناقش الراحل محمد حسنين هيكل بعد اعلان الموساد عن أن اشرف مروان كان عميلا مزدوجاً لصالحها ويعمل تحت إسم “بابل” (وهو إسم له دلالته عند اليهود)، كتب وناقش في مرات محدودة بضرورة أن تفصح المخابرات المصرية اللثام عن هذه القضية… لكن المخابرات المصرية اكتفت باعتباره بطلاً. وإذا تتبعنا مسيرة “أشرف مروان” فلا يسعنا القول سوى أنه كان مبعوثاً ساداتياً وفقاً لخطة السادات، الذي دلت كل الوثائق أنه حاول كثيرا ً مد الجسور مع كيان العدو قبل حرب اكتوبر 1973 من جهة، وكان قد فتح خطوطا كثيرة مع الراحل الكبير الرئيس الاسد، ومع السوفيات من جهة أخرى، ورسم خطتين للحرب: الاولى مموهة بالتنسيق مع السوفيات والاسد رحمه الله والثناية له مع الاميركيين. ونجح في شن حرب تحريك أدت في النهاية إلى ما وصل إليه وكما كان مخططاً في كامب ديفيد.


2-ما يؤكد كلامنا أن “أشرف” كان على علاقة مميزة شخصياً وعملياً مع رئيس الاستخبارات السعودية الاسبق كمال أدهم. (وهو مصري الجنسية أساسا تزوج الملك الاسبق فيصل اخته )، وهو كان ضابط ارتباط لمصر مع فرنسا ووثيق الصلة بالسادات لأنهما يلتقيان في نفس الرؤية: الخروج من دائرة الصراع مع العدو والتسليم بإرادتهما له وللغرب عموماً.


3-إن المشهد الاخير حيث يفترق “أشرف والموسادي “داني” على الطريق مضحك. فالاول كان يقبض الاموال ويبيع المقاتلين ليستشهدوا من أجل سلامته الشخصية، وإثبات عمالته أو على الاقل تثبيت مقولة البرجوازية الطفيلية التجارية المصرية التي رأت في الخط الناصري خطراً على دورها ونفوذها وعلاقتها بالنظام العالمي السائد آنذاك (وما زالت كذلك للآن)، والتي اصطلح لاحقا لى تسميتها بطبقة “رجال الاعمال” التي نهبت مصر وباعت خيرات البلاد للغرب مقابل حفنة ً من الدولارات. والثاني لم يظهر في الفيلم سوى موسادي مخلص لـ”بلده” (المقصود هنا كيان العدو)…..لكن كاتب السيناريو حاول أن يضفي سمة األانسنة على فعلة خائن كان خير ممثل لرئيسه الخائن لمصر ولأماني شعبها من خلال اطلاق تلك الجملة التي قالها الخائن لسيده الموسادي الذي كان قد أنقده سابقاً مبلغاً كبيراً من المال: “أننا قدمنا خدمة جليلة لوطنينا”!!!!! وما يدعو للسخرية أن تتسابق محطات التلفزة العربية على إنتاج برامج مسابقات هز الخصر، والرقص، والغناء والاهازيج، ألخ… بكلفة تزيد عن 100 ألف دولار للحلقة الواحدة، وأن يدفعوا لاقتناء مسلسل “حريم السلطان” آلاف الدولارات، بينما لم يتم إنتاج فيلم واحد بشكل جدي عن بطولات حرب اكتوبر، والتي لا تزال صناديق الحرب الفيلمية مخبأة في أرشيفات الجيش المصري الباسل.


لاحظوا كم فيلم تافه بتنا ننتج سنوياً، في مصر أو في لبنان أو في تونس أو المغرب أو الخليج…. وما هو مصير روائع القصص التي كتبها قصاصون عرب.
في ستينيات القرن الماضي، كان عبد الناصر فكانت السينما التاريخية، وكان فيلم “صلاح الدين”، وساهم الليبيون في أهم فيلمين للراحل الكبير المخرج مصطفى العقاد: “الرسالة” و”عمر المختار.” وأنتجت سوريا مسلسلي: “الناصر صلاح الدين” و”التغريبة الفلسطينية”، وأنتج القطاع الخاص المصري “أنا القدس”،…. ولكن إن قارنا حجم الانتاجات العربية بحجم الانتاجات الاجنبية التي تتناول قضايا العرب وفلسطين وعموم الشرق العربي، لأدركنا كم حجم وقوة القصف الفكري والثقافي الذي نتعرض له… حيث بات تعبير “إرهابيين” لمناضلي المقاومة العربية للغزوة الصهيونية – الغربية أمرا مألوفا على شاشات النظام العربي الذي استحال ركاما. فهل تنجح قوى المقاومة العربية في رد الهجمة الثقافية والفنية التي تحاول أن تطال عقول مناضلينا وشبابنا وأجيالنا المقبلة …؟؟

  • THE ANGEL: اخراج إرييل فيرمين، وبطولة كل من الممثل الهولندي من أصل مغربي مروان كنزاري، الذي يجسد شخصية مروان، وتوبي كيبيل، وهانا وير، وتساهي هاليفي، ووليد زعيتر.
في هذا المقال

شاركنا النقاش