ماهر منصور|
منذ نحو عشر سنوات أو أكثر بقليل، خرج من يصف مشاركة الفنانين السوريين في الدراما المصرية، بأنها نوع من سياسة سحب البساط من تحت السوريين، يقوم بها المصريون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بعد أن تجاوزت الدراما السورية حضور مثيلتها المصرية على شاشات الفضائيات العربية.
آنذاك بدت الفكرة لنا مثيرة للسخرية. فقد بالغ الكثيرون في شرح الفكرة بمنطق الريبة والشك والمؤامرة، وقلنا وقتها أن المسألة كما نراها ليست في ذهاب الفنان السوري إلى مصر، وإنما هي تكمن بالبحث عما يستطيع فعله هناك، وتقصي ما أضافه إلى الدراما المصرية، أم أنه كان مجرد رقم أضيف إلى قائمة العاملين فيها..؟
تلك الأسئلة كانت الغاية منها تقييم مشاركة نجومنا في الدراما المصرية. وهو تقييم لم يكن يختلف بشكله عن تقييم أي تجربة تخوضها الدراما السورية وصنّاعها. فقد كانت قناعتنا وقتها، أن مساحة البث الفضائي العربي الواحد لا بد أن تجعل جميع الفنانين العرب في مساحة عرض فني واحد، ولا بد من تقييم التجربة للخروج بما يفيد التجربة المنتظرة، التي للاسف ظهرت تالياً على نحو غير مختمر وتجاري، تحت اسم “الدراما العربية المشتركة”.
اليوم نعود لفكرة سحب البساط الدرامي من تحت السوريين، ونعيد الخطأ العاطفي ذاته الذي ارتكبناه في تقييم تجربة النجوم السوريين في الدراما المصرية، ونحن نقارب ظاهرة الارتفاع الملحوظ في عدد الممثلين اللبنانيين المشاركين في المسلسلات السورية، وننظر إليها بوصفها نتيجة شرط قسري لتسويق تلك المسلسلات، من دون نقاش فني جدي حول التجربة ومدى نجاحها.
منذ البداية دعوْنا الى نسيان فكرة الإلزام اللبناني القسري كشرط لتسويق درامانا، وقلنا لنقرأ تلك التجربة، وفق منطق درامي وإنتاجي، من دون جلد للذات أوتقليل من شأن الآخر، ولنبحث في كل عمل على حدة ، ان كان المبرر الدرامي أم التسويقي هو من حكم وجود الممثل اللبناني فيه.
ما حدث ويحدث اليوم أن الكثير من منتجي الدراما السورية وعدداً لا بأس به من متابعيها، بالغوا باستسلامهم لفكرة أن وجود الممثل اللبناني شرط لازم لتمرير المسلسل السوري. وبالتالي عملوا على تطويع أعمالهم خدمة لهذا الشرط، حتى لو كان ذلك على حساب اعتبارات فنية، وفي مقدمتها متطلبات النص الدرامي. ولم يتوقف أي منهم لمناقشة التجربة خلال عامي 2016- 2017 والبناء عليها، وقد بدأت نظرياً وعملياً خلافاً لما يعتقدون ويعملون بموجبه.
على طريقة “نفي الفرض” في النظريات الهندسية، كنا قد تساءلنا قبيل رمضان 2017 حرفيا السؤال التالي: “إذا كانت الفضائيات اللبناينة تفرض وجود الممثل اللبناني في المسلسل السوري كشرط لتعرض هذا الأخير على شاشاتها، فلماذا لم تبد تلك الفضائيات من قبل حرصها على الممثل اللبناني؟ وإن كان هذا الأخير يهمها بالفعل، أليس من باب أولى أن تؤسس حراكاً درامياً لبنانياً حقيقياً لاستيعاب قدراته والترويج له ؟”، و اليوم نعود لنضيف سؤالاً آخراً: “إن كان من هؤلاء النجوم من يستطيع أن يسوق وحده مسلسلاً، فلماذا لا يسوق مسلسلاً لبلاده في المحطات العربية؟!”
بالأرقام سجل الفنانون اللبنانيون حضورهم في ثمانية مسلسلات أنتجت للعرض في موسم الدراما السورية 2017، إلا أن أربعة من تلك المسلسلات تأجل عرضها لأسباب تسويقية مختلفة، هي “سايكو”، “وردة شامية”، “كعب عالي”، و”شبابيك”. وبالتالي لم تنطبق عليها فرضية أن وجود الممثل اللبناني فيها عامل ضمان لتسويقها. والتجربة على هذا النحو تؤكد أن أزمة تسويق الدراما السورية أعقد من أن يسوقها اسم أو اثنين من نجوم الدراما اللبنانية، وبالتالي حصر حل مشكلتها في هذا الأمر هو تسطيح لها، وإساءة لتاريخ الدراما السورية وتقليل من قيمة وحجم جمهورها العريض في الوطن العربي وخارجه. فواقع الحال يقول أن لا أحد يسوق للدراما السورية، والتجربة أثبت أن المطلوب الآن، لأسباب كثيرة، هو مسلسل سوري فيه أي شيء لا يجعله سورياً خالصاً. وهو ما لم يدركه كثير من المنتجين وهم يسحبون البساط من تحت كل ما هو منطقي في المسلسل السوري، ليضعونه تحت قدمي من يعتقدون أن بيده كلمة السر التسويقية!
بالعموم لا تكمن المشكلة بوجود الممثلين اللبنانين في الدراما السورية، إذ ليس جديداً حضورهم فيها. بل أن عدداً منهم كان يحضر فيها سنوياً على نطاق أوسع من إطلالته عبر الدراما اللبنانية، ومنهم من شارك في الدراما السورية وهو نجم في بلاده. وبمقدار ما استفاد السوريون من وجودهم في أعمالهم الدرامية، هم استفادوا أيضاً من تلك الأعمال، فقد صنعت للبعض نجوميته، وأعادت صياغة نجومية آخرين، بل وأثبت الفنان اللبناني أن لا شيء ينقصه إلا العمل الدرامي المتكامل ليلمع نجمه، وهو الأمر الذي أثبته من تألقوا في المسلسلات اللبنانية التي قدمها مخرجون وكتاب سوريون، وفي المسلسلات السورية- اللبنانية المشتركة.
المشكلة الحقيقة تكمن، إذاً، في التفكير أصلاً بأن الوجود اللبناني في المسلسل السوري هو ما سيخرجه من بئر أزمته. فذلك أسهم في تمييع المشكلة، وفي تجاهل أسبابها الحقيقة. بل وأسهم أيضاً بخروج حلول إنتاجية جديدة شاركت بدورها في ابراز ندوب إضافية في جسد الدراما السورية المتهالك، من خلال مشاريع درامية ابتكرتها ذهنيات مدفوعة بشهوة التسويق، ليس آخرها، بالطبع، تلك الإنتاجات الرخيصة التي تعزو ابتذالها الفكري والفني لتسهيل تسويقها، فضلاً عن لجوء بعض المنتجين إلى التبخيس بقيمة بعض صانعي الدراما وتخفيض أجور العاملين، فنانين وفنيين، كلما بدا العمل هاما باسم كاتبه أومخرجه أو كلاهما معاً.
شاركنا النقاش