فاتن قبيسي|
لم تكن مهمة الاعلامي مرسال غانم بعد انتقاله الى محطة “mtv” سهلة على الاطلاق. كان عليه ان يثبت ان مغادرته لقناة “lbci” ربحا وليست خسارة، وأنه حان أوان التغيير بالمطلق. وكان عليه ان يجدد ثوب برنامجه السياسي بالكامل، للحفاظ على جمهوره، ولاستقطاب شرائح شبابية جديدة قدر الامكان.
وما زاد في صعوبة المهمة، هو تراجع جمهور البرامج السياسية بشكل عام مؤخرا، لصالح الدراما والبرامج الترفيهية.. خصوصا في بلد مثل لبنان، حيث يعيش قسم لا بأس من اللبنانيين أزمة ثقة مع الطبقة السياسية.
استغرق التحضير لبرنامجه الجديد “صار الوقت” على محطة ” mtv” اشهرا متواصلة. فريق كبير كان وراء ولادة البرنامج. واليوم بعد اسابيع على انطلاقه، اخذ البرنامج شكله النهائي، وتنقل عدد ضيوفه من ضيف واحد، الى اثنين، وصولا الى اربعة ضيوف (في حلقة الامس). واصبح بامكاننا تناول “صار الوقت”.
لا شك ان غانم عمد الى كسر المألوف في برامج “التوك شو” السياسية في لبنان، من حيث الشكل والمضمون. قسم البرنامج الى فقرات عدة، لعل الابرز فيها هو اشراك الشباب في النقاش، في الاستهلال والختام معا، عبر كسر المسافة الفاصلة بينهم وبين السياسيين من جهة، واطلاق مناظرة حية فيما بينهم من جهة ثانية.
ومن حيث المبدأ العام، تبدو هذه المناظرة هامة، لأنها تفتح النقاش بين الشباب انفسهم، منقسمين الى فريقي الرأي والرأي الآخر. سيما وان هؤلاء خضعوا للتدريب حول آليات الحوار والمناظرات من قبل “المعهد الديموقراطي الوطني”. الامر الذي يتيح لهذه الفئة المستبعدة عن مراكز القرار، و حتى عن البرامج السياسية بالمطلق تبادل وجهات النظر من منظور مختلف.
لكن المشكلة هي في التصنيف الحزبي لمعظم الشباب المشاركين في الحلقات. بمعنى ان هؤلاء يبدون كالبوق لزعمائهم، يرددون كالببغاء اقوال كبارهم. لا يتمايزون عما يقوله معظم السياسيين داخل استديو “صار الوقت” وخارجه. وكأننا بتنا نسمع وجهة نظر الاحزاب مرتين في الحلقة، على لسان شخصيات رسمية وشبابية ايضا. بالامس لم تجد فتاة من مؤيدي “حركة امل” على سبيل المثال، الا الموازنة التي انجزها الوزير علي حسن خليل بنجاح كبير، كانجاز يُروى للعهد. اما زميلها في “القوات” فيأسف لأن العهد لم يحدث صدمة ايجابية كالتي احدثها الرئيس بشير الجميل..!
ربما بالامكان توسيع هامش الشباب المستقلين وممثلي المجتمع المدني للمشاركة بعدد اكبر في البرنامج. او على الاقل، عدم قيام الشباب “المتحزبين” اذا جاز التعبير، بالتعريف عن هوياتهم الحزبية، والاكتفاء بهوياتهم الطلابية، كذكر اسم الجامعة التي ينتسبون اليها. فذلك على الاقل، لا يقتل عنصر الترقب لدى المشاهد، في حين ان اشهار الانتماء الحزبي مسبقا يؤدي الى تعليب الكلام وتوقعه سلفا، قبل ان ينطق به صاحبه.
من ناحية أخرى، فيما يبدو للبعض ان مشاركة الاعلامي جورج غانم في غير مكانها في البرنامج لسبب او لآخر، فإننا نرى بأن حضوره يشكل عامل اغناء. فهو يقدم مادة دسمة، تنطوي على المعلومة والتحليل، وغبر متحيزة لفريق او لآخر. انها مادة خام تثقيفية بالمطلق. ربما المشاهد يحتاج لبعض الوقت “لهضم” كلام ينطوي على عمق، ويخلو من التهليل لهذا الزعيم او ذاك.
وفي هذا المجال نقترح بأنه كما يقدم جورج غانم خلفية عامة للحدث خلال دقائق في بداية الحلقة، ان يُخصص له ايضا دقائق مماثلة في ختامها، يقدم خلالها خلاصاته وانطباعاته حول النقاش بين الضيوف. انطلاقا من دور المراقب والناقد هذه المرة. ربما هذه الفقرة الختامية المقترحة تحمّل مسؤولية اكبر للضيوف. وهذا بطبيعة الحال يتناسب اكثر مع خبرة جورج غانم الاعلامية وحجم حضوره.
وفيما راهن متابعو مرسال غانم على زيادة جرعة الجرأة في “صار الوقت”، الا ان الامر يبدو نسبيا في هذا المجال. فالحوارات في الحلقات الاولى كانت تفتقد الى الجرأة ذاتها التي اتسمت بها الحلقتان الاخيرتان. ما يجعلنا نطرح تساؤلا حول ما اذا كان ثمة “مراعاة” لبعض ضيوف الصف الاول في هذا المجال، أم أن هناك اعتبارات أخرى.
وتبدو في هذا السياق مقدمة غانم في حلقة امس، كلاما واقعيا ومباشرا. رسالة وجهها الى رئيس الجمهورية بعد انقضاء عامين على العهد، محملة باوجاع البلد على المستويات كافة. المساءلة.. بل محاسبة السياسيين بالمطلق هي اكثر ما تبرىء ذمة هذا الاعلامي او ذاك، وهو الامر المطلوب تعميمه على جميع من في السلطة بلا استثناء، وبلا غطاء.
وفيما رأى بعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي ان رسالة غانم هي”فشة خلق” للمواطن، اعتبر آخرون انها تشكل تحاملا على رئيس الجمهورية وتجاهلا لانجازات العهد. مما يعكس الاصطفاف الحاد في لبنان، ويضاعف المسؤولية على الاعلام.. اولا واخيرا.
(ترقبوا غدا مقابلة مع مرسال غانم يرد فيها على الملاحظات).
شاركنا النقاش