فاتن قبيسي|
طوال مشاهدة فيلم “صاحب المقام” تكون متحفزا للوصول الى النهاية. لعلها خاتمة منطقية، بل “انقاذية” للطرح، هذا ما تتوقعه، فالكاتب ابراهيم عيسى لطالما حارب الخرافات الدينية والايمان المتوارث عن غير ذي علم. لكن الصدمة كانت بالفعل هي في رسالة الفيلم الاخيرة. انها دعوة صريحة للتسليم بأن الاولياء هم آلهة ايضا، ولديهم سطوة علينا.
نقول “صدمة” اولا لأن في الطرح تجرؤ كبير على فكرة الاله الواحد، وثانيا لأن الطرح لا يشبه صاحبه بشيء، فالكاتب عيسى الذي برع في فيلم “مولانا” (اخراج مجدي احمد علي) في محاولة لمحاربة التعصب الديني، يقع في مطب التسليم بان اولياء الله يتحكمون بمصائرنا، وان اضرحتهم امكنة مقدسة يمكن ان تجلب لنا الشر في حال المس بها!
صاحب المقام” الذي تعرضه “شاهد” يقوم على قصة “يحيي” (أسر ياسين)، وهو رجل أعمال ينوي بناء مشروع سكني في مكان يتواجد فيه مقام شخص يدعى “سيدي هلال”، ويمضي به رغم التحذيرات لما لهذا المقام من قدسية، ولهذا تبدأ المصائب تنهال عليه، كدخول زوجته في غيبوبة، ليبدأ بعدها رحلته في استرضاء الاولياء، عندها تشفى زوجته، وينتهي الفيلم بـ”التوبة”، فيعيد بناء ضريح “سيدي هلال” الذي كان هدمه.
الفكرة الرئيسية في الفيلم، رغم ما تحمله من هزالة وخطورة في آن، لا تمنعنا من الاشارة الى نقاط ضعف اخرى في بنية القصة. فهناك زلات عدة غير محكومة بمنطق. وثمة تساؤلات هنا من مثل:
الم يتم اختيار الحالات التي قام “يحيى” بمساعدتها على نحو عشوائي، لا سيما وان اجواءها غير متسقة، وتتنوع بين الدراما، والاكشن، والكوميديا؟
ما السبب الوجيه الذي دفع “يحيى” لاصطحاب ابنه الى بعض الامكنة التي قصدها في اطار رحلته الروحانية؟
الم يستند مشهد صفع امراة (هالة فاخر) ل”يحيى” في مسجد الحسين الى مغزى ضعيف؟ لماذا افتعال زيارة الكنيسة ليقرأ فيها البطل “الفاتحة” تقربا للإمام الشافعي؟
اليس في ايهام زوجة “يحيى” (امينة خليل) للأطباء في انها مستمرة بالغيبوبة، فيما هم لا يجدون تفسيرا طبيا لحالتها، استخفافا بالطرح العلمي، بل بعقول المشاهدين على الارجح؟
ويبقى الاهم هنا شخصية “روح” التي تجسدها الفنانة يسرا. وتهم العودة هنا الى ما قاله ابطال الفيلم في المؤتمر الصحافي قبيل انطلاق عرض العمل عبر “زووم”. قالت يسرا: “ان شخصية “روح” يمكن ان تكون موجودة في كل منا، بخيرها وشرها، ويمكن ان تكون ضميرك، وهذه هي الصوفية بحد ذاتها”. واضافت: “الفيلم بلا “روح” يصاب بخلل ما”.
اما آسر ياسين فقال: “روح” هي شخصية سيدنا الخضر او ملمح منها”.
وهنا نتساءل: اذا كانت “روح” هي ضمير بطل القصة، فكيف ظهرت لزوجته و”تواطأت” معها، بهدف تلقينه درساً روحانياً؟ واذا كانت فعلا ترمز الى سيدنا الخضر، (وتم نقلها من “رجل الى ست” كما قالت يسرا في المؤتمر)، الم تعتمد على ايحاء مغلوط لهذه الشخصية كما نعرفها؟ ثم الا يجدر بنا مغالطة الفنانة يسرا بقولنا بأن الفيلم لا يصاب بالخلل في حال غياب شبح “روح”؟ بل اليست فكرة “الشبح” إضعاف اكثر لعمل مثقل اساساً بإعتقادات خاطئة رفضها الإسلام، منها الوساطة المزعومة بين المؤمن وربه؟
نتحدث هنا عن “شخصية “روح” تحديدا، وليس عن يسرا بالطبع، ذلك لأن الفنانة المصرية، بكل تجرد، هي اكبر من الدور المسند لها ، واكبر من الفيلم بحد ذاته.
“صاحب المقام” باختصار كأنه “مسايرة” نافرة من الكاتب ابراهيم عيسى للاساطير الشعبية، والمؤمنين بها، وهو صاحب فيلمي “مولانا” المناهض للتدين الزائف، و”الضيف” (اخراج هادي الباجوري) المناهض للفكر السلفي. نقول مسايرة، حتى لا نقول “سقطة” او تراجعا عن نهج تنويري، يحتاجه بشدة واقع مأزوم بالخرافات الدينية والمعتقدات المتوارثة المدمرة للذات والمجتمع.
واخيرا.. قالت يسرا بأن “محتوى الفيلم عالمي” .. وبكل محبة هنا ايضا نغالطها، لأنه يسيء الى صورة العرب، الذين ظهروا بأنهم ما زالوا يقدسون ضريح الولي في القرن الـ21 ، واذا لم يفعلوا يعاقبون بالولي والثبور.. اليس من الافضل العودة مباشرة الى أصل الكون وخالقه .. وهو الغفور الرحيم؟!
- “صاحب المقام” بطولة يسرا وآسر ياسين وأمينة خليل وبيومي فؤاد، ومجموعة من ضيوف الشرف منهم ريهام عبد الغفور، ومحمود عبد المغني، والراحل ابراهيم نصر.. تأليف إبراهيم عيسى، وإخراج محمد العدل.
شاركنا النقاش