[sam_zone id=1]

آمنة ملحم|

أن تبتعد الفنانة سلافة معمار عن ابنتها الوحيدة “ذهب” بعد انتهائها من تصوير مسلسل “عالحد”، والذي ظهرت فيه بشخصية الصيدلانية “ليلى” وفق تصريحها، قد يبدو أمرا غريبا على ممثلة احترافية خبرت التنقل بين شخصيات لم تكن سهلة البتة، مما جعلها تتصدر دراميا، الأمر الذي حافظت عليه في “الحد”، حيث تبنت الشخصية كليا، وغاصت في تفاصيل الجرائم المتسلسلة بالنسبة لها، بلا أي رادع ذاتي منها.

هي وفق البناء العام للنص، الذي نسجته “لانا الجندي ولبنى حداد”، صيدلانية صاحبة كاريزما خاصة، تجعلها قريبة من كل من يعرفها، تجد النساء فيها ملاذا للخلاص من جرائم إنسانية يتعرضن لها “كالتعنيف الزوجي، الخيانة الزوجية، التحرش، الاغتصاب”. وكلها قضايا مجتمعية هامة. ولكن أن تتحول المخلصة لمجرمة متسلسلة، وتمارس الخيانة مع زوج صديقتها المقربة، فان ذلك أفقد تلك الشخصية منطقياً حقها في أن تكون مخلصة لغيرها وتشكل مرجعية لهم، فقط من خلال مقولة “أنا ما عم برر أنا عم عيش”، التي رددتها في بعض الحلقات، عدا عن تأكيدها أنها ليست نادمة على جرائمها بحق رجال، اعتبرت أن العدالة غير كافية لأخذ حق النساء منهم.

“ليلى” التي انقطع التواصل بينها وبين زوجها لأعوام، متحملةً مسؤولية تربية ابنتها الوحيدة “تالا” (شهد الزلق)، حتما ترك هذا الامر فراغاً عاطفيا ونفسيا كبيراً لديها، وبالنظر لذلك، ووفقاً لطبيعة الأفعال التي صدرت عنها، ولغة عيونها وجسدها، وإدمانها التدخين بشراهة، فيمكن أن نرى بأنها شخصية “سيكوباتية” نجحت الكاتبتان بنسج خيوطها وملامحها، حيث تتصف عموماً هذه الشخصيات بعدم الثقة بالآخرين ولومهم، وقد يعترف السيكوباتي بلوم نفسه عند الضغط عليه، لكن ذلك لا يصاحبه خزي أو ندم أو رغبة في التغيير.

وتشير الأبحاث إلى أن النساء المصابات به يُجِدن التلاعب والخداع، والتحكم والسيطرة، وهذا ما بدا واضحاً بشخصية “ليلى”، سواء بعلاقتها بخالتها (صباح الجزائري) أو بصديقتها وزوجها والنساء اللواتي استنجدن بها. كما ان جرائم السيكوباتيات مدفوعة بالرغبة في القوة او الهيمنة، وهذا ما ينطبق ايضا على “ليلى”.

أما عن حالة القاتل “التسلسلي” فهو ناتج وفق علماء النفس عن اضطراب نفسي، ولكن هذا التشخيص غاب في النص، مما جعل الحكاية مربكة في الإقناع، حيث ان “ليلى” امرأة طبيعية في الظاهر لآخر لحظة، وانتهى العمل دون أي تشخيص لمرض عقلي أو نفسي، فبدت فقط امرأة بمثابة محامي دفاع عن غيرها، ودوافعها هي فقط أخذ حق الآخرين.

 عموما، نجح العمل في لعبة التشويق والإثارة، وكان جذاباً لناحية شد المتابع ودفعه لمتابعة التالي، والتعاطف مع “ليلى” رغم اجرامها، وذلك لقدرة “معمار” العالية على الإقناع في الأداء. ولكن انجراف “ليلى” نحو الانتقام بنفسها من غيرها، بديلا عن القضاء، لاسيما مع الأحكام المخففة للكثير من الجرائم المجتمعية، امر غير مقنع.

والمبررات الدرامية غير كافية لتحولها لمجرمة تأخذ حق غيرها بيدها، من دون أن تفكر بمحاسبة نفسها على أفعال شائنة مجتمعيا وقانونيا معا.

كذلك انتهى العمل من دون محاسبة حقيقية لشخصيات تتعاطى المخدرات، كابن خالتها “نديم” وأصحابه وكالذي سرق أمه، وكأنها محاولة لتأكيد وجهة نظر “ليلى” بأن العدالة لا تتحقق على الأرض.

أداء الممثلين، ومنهم دجانا عيسى “تلجة” التي أمتعت المشاهد بحضورها الخاص، يجعلنا نقول ان الأداء تفوق على الحكاية والحبكة التي خرجت عن المنطق.

اما الفنانة سلافة معمار فقد اتقنت ورفعت العمل، فلغة جسدها جاءت منسجمة لأقصى حد مع افعالها، وحركات أصابعها ونظراتها المفعمة بالإجرام كانت كافية لتقول الكثير. كما أن كوابيسها المتكررة كانت بمثابة عقاب حقيقي لها. ولكن العمل كان سيحمل رسالة أعمق لو اخذت الامور مسارا آخر، خاصة وان حبل المشنقة لم نره في ختام العمل. وانطلاقا من رسالة العمل نتساءل: ” هل يمكن لنا أن نغيب العدالة؟ وهل قصور بعض القوانين تبيح القتل بدوافع شخصية؟

مسلسل “عالحد” يعرض عبر “شاهد “، تأليف لانا الجندي ولبنى حداد، إخراج ليال راجحة، إنتاج الصباح إخوان، بطولة: سلافة معمار، صباح الجزائري، رودريغ سليمان، علي منيمنة ، مروى خليل، آدمون حداد، نتالي فريحة، طارق عبده…. وآخرين.

في هذا المقال

شاركنا النقاش