[sam_zone id=1]

سامر محمد اسماعيل|

لا تزال جائزة لجنة التحكيم الخاصة التي نالتها المخرجة نادين لبكي في مهرجان “كان” تتفاعل في مختلف الاوساط اللبنانية، باعتبارها انجازا نوعيا للسينما اللبنانية التي ارتقت مع لبكي الى مصاف العالمية بشهادة المهرجان الشهير.

ليست المرة الأولى التي تذهب فيها نادين لبكي بشريطها السينمائي إلى أكبر مهرجانات الأرض وأعرقها، فلقد سبق لها أن شاركت العام 2007 بفيلم “كراميل” و2011 بفيلم “هلأ لوين” ضمن تظاهرة “نظرة ما”.

لكنها هذا العام وبعد سنتين من التحضير، وستة شهور من التصوير، وخمسمائة ساعة من (الرشز) وسنة ونصف من العمل المضني في جزر المونتاج، تقدمت المخرجة اللبنانية بفيلمها “كفرناحوم” منتزعةً “جائزة لجنة التحكيم الخاصة” للدورة الحادية والسبعين من مهرجان “كان” السينمائي.

الهب الفيلم أكف الحضور، ترك لديهم تنميلا لطيفا وهم ينشدون لهذه المرأة العربية التي أسندت أدوار البطولة في فيلمها لممثلين جدد، في مقدمتهم (زين الرافعي) الطفل الصغير الذي وقف أمام الكاميرا لأول مرة، ولم يتردد بالنوم فوق خشبة المسرح، عندما غلبه النعاس خلال حفل توزيع الجوائز .

لكن نادين اطلقت زغرودتها في سماء المهرجان، مستعينة بجدتها (ليليت) أن تكون عوناً لها على إكمال مراسيم هذا العرس، فالعريس جمهور لا يرحم من أهل السينما أتى من كل أصقاع الأرض، وهي العروس التي تعرف أنها للتو أمسكت حلمها، تعود لبكي إلى طقس قديم من تراث المنطقة عرفت أو لم تعرف، لكنها فعلتها وزغردت (لي لي لي ليت) نادت جدتها البعيدة من قلب قاعة توزيع الجوائز، زغردت وزغردت كي تقوم كل الجدات وترى ماذا وكيف انتقمت لهن من قرون الظلام والحريم والرضوخ.

ما نمي عن الشريط المتوقع عرضه في الصالات اللبنانية والعربية في الخريف القادم الكثير، كواليس المهرجان لم تخف إعجاب نقاد “كان” السينمائي بمهارة ودقة وحرفية الروائي الطويل عن طفل يقوم بمقاضاة والديه لأنهما جلباه إلى دنيا الظلم والحروب والعنف وأحقاد الدم المتوارث من جيل إلى جيل. قصة تستدعي الشرود والتروي في مصائر آلاف الأطفال المشردين الذين طاردتهم المخرجة لبكي من شارع لشارع ومن إصلاحية إلى أخرى، مقتفية أثر الجريمة الجماعية الواقعة عليهم. حرب الكبار ضد الصغار، وانجراف العنف ليطالهم في أدق ظروف حياتهم.

هل نقول أنه إنجاز للسينما اللبنانية؟ نعم هو إنجاز لهذه السينما وللسينمات العربية ولكل السينمات الوطنية، التي ما زالت تبحث عن ذاتها بين أكوام من الأشرطة التقليدية والتجارية البحتة. لكن مهلاً السينما في لبنان لا قرابة لها بالمختبر المفتوح والجريء الذي خاضته نادين لبكي ببسالة، بعيداً عن المتداول والترفيهي والسهل. كان من الممكن أن تنجرف لبكي إلى أفلام (النكتة) و( الكوميديا الهابطة) التي يحاول تجار الصالات اللبنانية تعميمها على الجمهور. كان من الممكن أن تنخرط هذه المرأة في مضاربات السوق الواعدة لأفلام الموجة الرخيصة، لكنها لم ولن تنتمي إليها، فالهم السينمائي والهاجس اللدود لدى لبكي جعلها خارج السرب، بل خارج التصنيف، مثيرةً في كل مرة الزوبعة إثر الزوبعة مع كل شريط تقدمه بجرأة فنية لا ترد.

أجل حققت نادين لبكي إنجازها بصمت وهدوء، وعبر عشرات الجلسات في سجون الأحداث، نخّلت تبرها من بين حجارة الأرصفة ووجوه الأطفال المتروكين للبرد والجوع والعنف، وعرفت أن السينما طبيب اجتماعي فائق الأثر والتأثير، عرفت أن بإمكان هذا الفن أن يرد الصاع لمجتمعات عربية تبيع أولادها في حروب الطوائف وكازينوهات النهار المفتوحة على فرجة لا نهائية من القتل الحر لأطفال، كل ذنبهم أنهم فتحوا أعينهم على الحروب، فصاروا باعة متجولين وأشبال خلافة ومجرمين مرتقبين لتركة آبائهم الثقيلة، مرددين ما أوصى به أبي العلاء المعري بأن يكتب على شاهدة قبره: “هذا ما جناه عليّ أبي وما جنيتُ على أحد”!

في هذا المقال

شاركنا النقاش