[sam_zone id=1]

فاتن قبيسي|

تتويجا لإطلالات الشاعر والمفكر السوري أدونيس على شاشة “الميادين” مؤخرا، كرمت ادارة “الميادين” ضيفها الاستثنائي بحفل غداء في بيروت، كرّس علاقة “الخبز والملح” بين المحطة والشاعر السوري، بكل أبعادها..

كان حضور أدونيس دسما ومتوقدا في تلك الجلسة الدافئة. والاهم من ذلك، كان متصالحا مع نفسه، الى حد الشفافية الكاملة. فعبر عن افكاره وآرائه بصراحة وبلاغة، مقاربا بعمق التحديات التي تواجه الامة، ومقدما بأناقة نصائح مهنية ل “الميادين”.

يغلف كلامه التواضع والاقتضاب. فهذه الشخصية الاستثنائية الاشكالية تبدو قريبة جدا في اللقاءات المباشرة. خاض خلال الجلسة في الاعلام، والسياسة، والدين، مقدما نموذجا للمفكر الذي يجيد أنسنة الثقافة، وضخ الدم في عروقها بحيث تتفاعل مع واقعها ومحيطها، بعيدا من الابراج العاجية التي يهوى بعض المثقفين الاقامة فيها.

الرجل الثمانيني طوّع العمر الذي صار يلهث وراءه. يتجدد باستمرار شعريا وفكريا. وهو “بطرك الحداثة”، كما اطلق عليه. ورغم خبرته، لا يرضى عن كل ما يقوم به، بل يمارس نقدا ذاتيا، فيقلق على سبيل المثال من اطلالته التلفزيونية المرتقبة على “الميادين”، سائلاً الزميلة راميا ابراهيم عما اذا كان موفقا في الحلقة التي سجلتها معه مؤخرا، وعن ملاحظاتها بشأنه!

ويعكس احتضان “الميادين” لأدونيس حرص رئيس مجلس ادارتها غسان بن جدو على تظهير البعد الثقافي للمحطة، وعدم اختزالها بالجانب السياسي. وذلك في تعبير عن اهمية دور الثقافة في معركة صناعة الوعي، في مواجهة محاولات استلابه.
ويأتي حفل الغداء بعدما وقع ادونيس مؤخرا كتابه “هذا هو اسمي… أدونيس” الذي تضمن السلسلة الحوارية الوثائقية ( تضم ستة أجزاء) التي حاوره فيها بيار ابي صعب، وبثت على شاشة “الميادين”. كما يأتي بعد تسجيل ادونيس لحلقة “ما بعد العرض” الذي حاروته فيها الزميلة راميا ابراهيم، والتي ستعرض الجمعة المقبل، في الحادية عشرة مساء. وتنطلق فيها ابراهيم مع ضيفها من الحديث عن السلسلة الوثائقية المذكورة، لتخوض مواضيع اخرى، من مثل واقع الحريات في الغرب، مستقبل سوريا ودور النخب فيها.

وقال بن جدو خلال الجلسة ان “أدونيس قيمة تاريخية، وإضافة نوعية الى شاشة “الميادين”، لم نستفد منه في الوثائقي للحديث عن تاريخه وأدبه فحسب، بل للحديث عن قضايا اخرى هامة”. وأكد ان ما يعبر عنه أدونيس يتناقض أو يختلف مع حلفاء لنا في المنطقة، إما سياسيا او فكريا، ومع ذلك فهو اطل عبر “الميادين”. لأن ما يهمنا هو فتح باب الجدل، وفي الاختلاف قيمة اساسية يجب التعبير عنها.

وأضاف: هذه هي هوية “الميادين”، وهي رسالة غير مباشرة لكل من يستمر في التلذذ بسادية ساذجة في حشر القناة تارة في خانة حزبية ما، وطورا في خانة نظام رسمي او هوية ايديولوجية مقولبة ومغلقة.

وتابع: قد يتساءلون عن سبب ظهور البعض على شاشتنا من المعارضة السورية او ممن يهاجمون المقاومة، نقول لهم انتم “مش فاهمين”، نحن لسنا مجرد ديكور مهني، بل جزء اساسي من الهوية. ونحن منفتحون على الجميع، وعدونا الوحيد هو العدو الصهيوني.

وقال: ان الوثائقي “هذا هو اسمي.. ادونيس” هو بالنهاية عمل نخبوي، لكن اصدائه كانت كبيرة. وقد وثقناه بكتاب، وسنترجمه الى لغات اخرى. واشاد بتجربة المحاور بيار ابي صعب والمنتج زاهر العريضي في هذا المجال.

وتحدث ادونيس فقال: سعدت جدا ان تنشأ “الميادين” داخل هذا الوسط الاعلامي الذي نعرفه، ووسط كل هذه الايديولوجيات التي تشوه الاعلام. ونجاحها السريع يؤكد ان ثمة اضاءات في العالم العربي المدمر تنتظر ما هو عميق وغير منحاز ومضيء. وبغض النظر عن تفاصيل تقنية معينة، فانا كنت معجبا بالقناة، التي تثبت بأن هناك من ينجح رغم الصعوبات.

واضاف: لدي تناقض داخلي. فأنا أؤيد على سبيل المثال حركة “حماس”، وبنفس الوقت اذا انتصرت واقامت دولة دينية ، سأعارضها. لأنني رجل مدني وعلماني، وانتصارها دينيا سيكون دعامة لليهودية في فسطين.

وتابع: وانا مع القضية الفلسطينية، ولكنني لست مع خطابهم وممارساتهم. وفي القضية عناصر ضد هذه القضية. وهي اصبحت النواة الاساسية لجميع نضالاتنا، لذا المطلوب منها ان تكون في مستوى عظيم. وعلى محطة “الميادين” ان تنظر في هذا المجال. وانا اعتبر نفسي جزءا من عائلة “الميادين”، علما انني ما زلت قلقا على القضية.

وردا على سؤال، اوضح ادونيس ان “لا امة في العالم يهيمن ماضيها على حاضرها كالامة الاسلامية. يجب مساعدة المسلمين لتحريرهم من الماضي، ومن كونهم اداة للسلطة، او مجرد رأسمال مادي، بلا اي قيمة روحية”. وقال: “نتمنى ان يكون هناك رجال دين متنورين يتحدثون في الإعلام عن الاسلام”.

ورأى أدونيس ان الجانب الثقافي الخلاق غير حاضر في الاعلام المرئي كما ينبغي. واقترح على “الميادين” تنظيم ندوات لطرح مواضيع من قبيل: الواقع الفني العربي، الواقع الشعري العربي… واذا كن بعضها يتذرع بأن هذه القضايا لا تستهوي المشاهدين، فإنها تبقى مسؤولية “الميادين”.

وقدم بن جدو الى ادونيس خلال الجلسة نسخة من الكتاب، كما أهداه نسخة من حلقاته الوثائقية، ونسخة من حلقة “ما بعد العرض”.

وكان قد شارك في مأدبة الغداء كل من الوزير السابق جورج قرم، الباحث السياسي حسن حمادة، نائب رئيس تحرير جريدة “الاخبار” بيار ابي صعب، سركيس ابو زيد، الاعلامي نصري الصايغ، والاعلامية ثريا عاصي، وعدد من افراد اسرة “الميادين”.

جماعية

في هذا المقال

شاركنا النقاش