[sam_zone id=1]

آمنة ملحم|

يقول جبران خليل جبران: “من يشنقه صوت الماضي لا يستطيع مخاطبة المستقبل”. هذا بالضبط ماحكم حياة “وجيه” (غسان مسعود)، الأب المكلوم بفقدان ابنته الوحيدة وحفيدته، والرافض لفك حبل الماضي عن رقبته، حتى وإن وصل به للموت، صارخاً في كل لحظة مع نفسه باسمها عاليا “سلمى”.

يأتي ذلك في فيلم “حكاية في دمشق”، الذي أطلقته “المؤسسة العامة للسينما” في دار الأوبرا، بحضور المخرج أحمد إبراهيم أحمد، وأبطاله : غسان مسعود، جيانا عنيد، لجين إسماعيل، رنا كرم، غدير سلمان وعدد من أهل الفن والإعلام.

يرفض “وجيه” الخروج من حالة الفقدان التي لوعت قلبه، لدرجة تكاد تظن أن الرجل فعلاً فقد صوابه، وفق الحالة التي يظهر فيها في الحدوتة، فتارة يعزف على العود، وتارة يتوارى عن الأنظار لأكثر من يوم، وطوراً يبكي ويصرخ، في محاولة منه لجلد “صهره زياد” (لجين إسماعيل)، وتحميله ذنب موت ابنته وحفيدته لشدة تعلقه بهما وبتفاصيلهما، حتى بعد الغياب.

نظرات غسان مسعود كانت أبرز أدواته التمثيلية في الفيلم، فهي تنطق بما في قلبه، وانحناءة ظهره حملت من الرمزية ما يكفي لتقول أن ظهره كسر من قسوة الفقد. فهذا الرجل أينما حل يكون لحضوره وهج لا ينطفىء، يقابله ثنائية “لينا” (جيانا عنيد) الفتاة الهادئة الحالمة، و”زياد” الباحث عن الحياة التي سلبت منه بعد رحيل زوجته وابنته، حيث يلتقي زياد بلينا التي أحبته وحاولت إعادة النبض لقلبه، عن طريق “وجيه”، الذي يجد الطمأنينة في محلها، الذي تبيع فيه القطع اليدوية في الشام القديمة.

أما مصففة الشعر “ريم” (رنا كرم) صديقة “لينا”، والفتاة المحبة التي تدافع عن صداقتها وحبها لآخر نفس، كانت الوجه الطريف في العمل، من خلال مشاهد حملت النفس الكوميدي. لكنها لم تسلم في النهاية من الفقد أيضا لخطيبها باستشهاده، لتعيش الألم من مرارة الحرب. كلها حكايات جمعها الفيلم من قلب دمشق، لتشكل حكاية واحدة ممزوجة بالألم. لكن الكاتبة سماح قتال أصرت على إحياء الأمل، مؤكدة على لسان لينا في ختام الحكاية أن “الحياة حلوة كتيررر” .

مشاهد الفيلم بدأت بوتيرة بطيئة نسبياً عاكسة روتين الحياة، مما أفقد الفيلم وهج البدايات، إلا أنها مع تصاعد الحدث حملت الغموض والصراعات بين شخوص الفيلم مع بعضهم من جهة، ومع الحياة ما بعد الحرب من جهة أخرى. واستطاعت الكاتبة الخروج من دائرة أفلام الأزمة والحرب بدرجة كبيرة، في محاولة لصنع أفلام من روح الحياة الاجتماعية السورية، وذلك بعد سلسلة أفلام كانت الحرب حكايتها الأساسية. وهي خطوة تحتاجها السينما السورية بنبض جديد.

وقدم الفيلم الفنان الشاب “غدير سلمان” خريج المعهد العالي للفنون المسرحية بدور بطولة للمرة الأولى له، بعد تخرجه حديثاً، فجسد شخصية المراهق التائه في خياراته، بدور استحقه في الفن السوري، الذي يحتاج لوجوه جديدة.

إنها “حكاية في دمشق” القديمة التي ظهرت في الفيلم بتفاصيل رصدتها عدسة المخرج أحمد: “بائع الفطائر، والفلافل، طرقاتها وبيوتها العتيقة، شوارعها الضيقة، محلاتها وبضاعتها بكل ما تحملها من خصوصية….”،  كمنطقة تختزل حياة الشام ودفء أهلها وصدق معاملتهم بعد عاصفة الأزمة التي مرت على البلاد وخطفت وجه الفرح منها. فكان المكان بحد ذاته مع الموسيقى التصويرية التي ألفها الموسيقار طاهر مامللي بمثابة أنشودة حياة وحب، مغلفة بالرمزية التي رافقت الفيلم من أول ظهور للطفلة “ابنة زياد”، ثم ظهورها لاحقاً محاطة بالنيران بما ينم عن عن موتها ووالدتها بقذيفة، مروراً بتمسك “لينا” ببيت جدتها لآخر نفس وطريقتها في الحياة والعمل، بما يرمز الى وطن رفضت التخلي عن تفاصيله، ووصولا الى آخر مشاهد الفيلم، حيث ظهرت “لينا” بالفستان الأحمر “لون الحب”، لتؤكد أن الحياة لن تنتهي رغم الآلام، وأن الحب هو الطريق الوحيد للعبور. 

يذكر ان ضيوف الشرف في الفيلم هم: حسن عويتي، علي كريم، أمانة والي، غادة بشور ، جمال العلي، وعلا حمد. ويراهن المخرج بأن الفيلم سيكون فيلم شباك تذاكر، لافتاً الى أن العروض الجماهيرية ستنطلق الخميس القادم في دمشق وعدد من المحافظات السورية، كما أن الفيلم سيشارك بمهرجانات عربية عدة في مرحلة تالية.

في هذا المقال

شاركنا النقاش